النفس حسب ما هو أقرب لقناعتنا هى الروح فى حال تعلقها بالجسد، ويرتبط بها آنذاك العقل والقلب لكى تصبح ذاتاً إنسانية لها خصائص تميزها عن باقى المخلوقات التى تملك روحاً أيضاً، وبناء على ذلك فالذات الإنسانية مكونة من ثلاث ملكات، كل منها يختلف عن الآخر، إلا أنها لا تفترق عن بعضها البعض وتكمل بعضها، فهى كل لا يتجزأ تتكون من النفس (الروح حال اقترانها بالجسد) والعقل، والقلب. فالنفس فيها النوازع النفسية سواء كانت خيراً أو شراً، وقد تفعل الخير أو تفعل الشر، فهى تملك حرية الاختيار بين البدائل من خلال العقل، وهى التى عليها التكاليف الشرعية، وهى بهذا التكوين والاتصال تكتسب صفات مدح أو ذم، فهى إما أن تكون نفساً أمارة بالسوء، أو نفساً لوامة، أو نفساً مطمئنة، كما وصفها الخالق عز وجل «وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا» الشمس7 - 10، وكل ما تفعله هذه النفس يقيد عليها «مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ» ق 18. والعقل هو مناط التكليف الذى يوجه النفس ويكبح جماحها، ويجعلها تختار بين البدائل، وتتعرف على الخير والشر، والحلال والحرام، ولولاه لما كان على الإنسان تكليف أو حساب، وإذا كان المخ هو الأداة التى نمارس من خلالها التعقل الذى ميز به الله الإنسان على سائر الكائنات، فليس معنى ذلك أن المخ هو العقل، فالعقل من خصائص الروح، والمخ عضو فى الجسد، وهو الوسيلة والأداة للتعبير عن العقل، تماماً مثل الساعة التى تكون وسيلة للتعبير عن الزمن، إلا أن هذا لا يعنى أن الساعة هى نفسها الزمن، فكما أن العين هى أداة الإبصار، والأذن هى أداة السمع، فالمخ أيضاً هو أداة العقل. أما القلب فيراد به فى القرآن -إلى جانب معناه المادى- تلك اللطيفة الربانية التى تجعل منه مركزاً للروح، وليس الروح ذاتها، فهو دينامو النفس البشرية التى تستقبل الطاقات والسلوكيات الإيمانية والتعبدية التى وضعها صانع الصنعة والخالق عز وجل فى كتالوج الصيانة الذى وضعه لخلقه، والمتمثل فى افعل ولا تفعل، وتحولها إلى طاقة ضوئية ونور لكى يضىء لها الطريق ويهديها «الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ» الرعد 28، وقوله صلى الله عليه وسلم: «القلوب تصدأ مثل الحديد فعليكم بجلائها بالقرآن»، وفى حالة عدم استقبال هذه الطاقة الإيمانية فإن الدينامو يتوقف عن الشحن، وتصبح النفس البشرية مظلمة ضالة، وعمياء عن الطريق الصحيح «أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِى الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِى فِى الصُّدُورِ» الحج 46، ونجده عز وجل فى آية أخرى يقول: «وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا» الأعراف 179، كما ذكر أيضاً فى القرآن لفظ الفؤاد إشارة إلى القلب مثل قوله تعالى: «إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً». ولأنه سبحانه وتعالى هو الخالق، فإنه الأعلم بمن خلق، ويعلم أن الإنسان مجادل: «وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَىءٍ جَدَلاً» الكهف 18، لذا فقد أودع المولى عز وجل ذاكرة على «هارد ديسك» داخل كل من النفس والبدن حتى إذا جادلت النفس (بعد عودة الروح إلى الجسد) يوم الحساب مثلما أخبرنا المولى عز وجل: «يَوْمَ تَأْتِى كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ» النحل 111 فإن من يتصدى لها ليست الملائكة التى تكتب وتقيد ولكن من يرد هو تلك الذاكرة التى أودعها عز وجل فى كل من النفس والجسد والتى يمكن أن نشبهها بالصندوق الأسود الموجود فى الطائرة والذى يسجل كل شىء حدث ونعرف منه حتى بعد تحطم الطائرة كل ما حدث، وهذا الصندوق الأسود موجود فى كل من النفس والجسد من خلال «سوفت وير» أو برنامج بداخل كل منا «يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» النور 24.