استطاع اليهود أن يؤلبوا علينا معظم دول العالم إن لم يكن كل العالم، واستطاعوا أن يوحدوا يد أمريكا ويد روسيا ويد إنجلترا فى قبضة واحدة ويوجهوها إلينا، وهذه اليد القوية، التى لم تتحد أبداً من قبل، ما كادت تصل قبالة وجوهنا حتى توقفت واحتارت أين تنقض وأين تضرب وأين تصيبنا، هل تفرض علينا العقوبات الاقتصادية؟ إن عاقبتنا إنجلترا اقتصادياً فقد عاقبت نفسها؛ فحاجة إنجلترا إلينا أكثر من حاجتنا إليها؛ فنحن نأخذ منها كماليات من الممكن أن نستغنى عنها ونعطيها ضروريات لا تستطيع أن تستغنى عنها، فإذا هددتنا بالامتناع عن شراء قطننا، فما أسهل من أن نحول نصفه قمحاً ونبيع النصف الآخر لمصانع المحلة، ثم نترك مصانع «لانكشير» مشلولة تستجدى شعرة من القطن طويل التيلة، أما أمريكا فالمقاطعة الاقتصادية بيننا وبينها قائمة فعلاً، والدولار فى أسواقنا أصبح أندر من نبضات الضمير فى صدر السيد ترومان. ونحن عوّدنا أنفسنا أن نستغنى منذ سنوات عن الجوارب النايلون وعن سيارات «فورد» و«دونج»، ومن السهل أن نستغنى عن أقلام الأبانوس وكل ما هو أمريكى، أما أمريكا فلا تستطيع الاستغناء عن بترول الشرق. أما روسيا فالصفقة التجارية الوحيدة التى تمت بيننا وبينهم فى الثلاثين عاماً الأخيرة كانت صفقة مبادلة قمح وقطن، احتجّت عليها إنجلترا وغضبت من أجلها أمريكا وكان من مصلحة روسيا أن تصدر لنا قمحاً داخل منشورات شيوعية، لكن ليس من صالحنا أن نستورد منها القمح والمنشورات؛ فالمقاطعة الاقتصادية إذن لن تكون مجدية مع الدول العربية التى عاشت سنوات الحرب تكفى نفسها بنفسها. هل تُفرَض علينا العقوبات العسكرية؟ هل تهددنا أمريكا بقنابلها الذرية، وتطلق إنجلترا أسطولها فى مياهنا الإقليمية، وتسير روسيا جحافلها فوق أراضينا؟ وهل ترضى أمريكاوإنجلترا أن تتدخل روسيا فى شئون الشرق؟ وهل ترضى روسيا أن تدخل أمريكاوإنجلترا وحدهما؟ إن الهيئات الدولية لم تفلح فى فرض عقوبات عسكرية فى دولة ما؛ لأن مصالحها العسكرية تتنافر دائماً وتتضارب دائماً، وأى دولة تقدم مصالحها على مبادئها؟ ثم هل يرضى الجندى البريطانى أن يحارب من أجل اليهود بعد أن جلدوا زملاءه وشنقوهم فى فروع الأشجار؟ وهل يرضى الجندى الأمريكى أن يترك زوجته وولده وأمه وأباه ليموتوا فى سبيل إنشاء دولة يهودية، قد يعطف عليها لكنها لا تخصه من قريب أو بعيد؟ إن شعوب العالم قد تترك حكوماتها تؤيد اليهود سياسياً، إذا رأت فى ذلك مصلحة للدولة، وحتى إن لم ترَ فى ذلك أى مصلحة فلن تسمح بأن تدفعها حكوماتها إلى خوض حرب من أجل اليهود، ولو لم تكلفها هذه الحروب سوى خدش فى إصبع رجل واحدة، وهذه الشعوب تفضّل أن تقف موقف المتفرج، حتى إذا انتصر أحد الفريقين صفقت له ثم حملته على الأعناق وسارت خلفه تحلف بحياة البطل. ولن تصفق لنا الشعوب إلا إذا انتصرنا، ولن تهتف لنا الشعوب وتؤمن بنا إلا إذا انتصرنا، ولن يكون النصر سهلاً؛ فجمهور المتفرجين يحب دائماً أن يزيد من أمد المباراة للتسلية ويشجع الضعيف ويحثه حتى يقوى على المقاومة وتشيع الحماسة فى المباراة وتتضاعف التسلية، وقد يوجه إلينا جمهور المتفرجين صفير الاستياء ويلوح بأيديه فى وجوهنا ويتهمنا بالتجنى لأننا رفضنا الهدنة أو السلام كما يسمونه، ورفضنا أن نسكت مدافعنا عن فئة من اللصوص ليس لهم كيان نهادنه ولا شرف نثق به، لكن هذا الصفير والتلويح بالأيدى لن يوقفا المعركة، ويوم ننتصر سيتغير الصفير هتافاً والتلويح مصافحة؛ فدين العالم عبادة القوى المنتصر.