«دم الدهاشنة فى الكوباية»، وليس هناك ما يمنع «عتريس» أن يشرب منه، طالما رضى «الدهاشنة» أنفسهم بأن يظلمهم «عتريس» ورجاله دون أى منطق، باستثناء منطق القوة الذى ورثه عن جده الكبير، الذى استطاع أن يحكم قبضته على قرية «الدهاشنة» ويمارس عليها بطشه دون أن يجد من يقف فى وجهه، وقبل أن يموت أورث حفيده مهمته، كما أورثه اسمه، حمل عتريس الحفيد الراية وأكمل مشوار جده، متناسياً وعده الذى قطعه على نفسه أمام «فؤادة»، منذ أن كانا صغيرين يلعبان فى شوارع «الدهاشنة»، الطفلة الرقيقة التى صدقت أن «عتريس» لن ينغمس فى عمل جده ولن يظلم ولن يقتل، وحدها فقط هى من تملك مفاتيحه، هى من تجرؤ أن تقف فى وجهه وتقول له لا، فعلتها حين أغلق الهويس على أهل القرية لتموت زروعهم عطشاً، ففتحت الهويس لتتدفق منه المياه وتروى الأرض العطشى، وفعلته مرة أخرى حين رفضت طلبه بالزواج منها، وعندما أقدم أبوها على تزويجها منه دون علمها خوفاً منه، رفضت أن تكمل الزيجة، ليستمد أهل القرية منها شجاعة فيعلن «الشيخ إبراهيم» وقوفه إلى جوارها، ويجهر ببطلان الزواج، ولا يتراجع عن موقفه حتى بعد أن يرسل «عتريس» من يقتل له ابنه «محمود» أثناء زفافه، يطوى «الشيخ إبراهيم» حزنه ويحمل ابنه على كتفه ليطوف به شوارع القرية، وخلفه الأهالى، وهو يهتف: «جواز عتريس من فؤادة باطل»، وينتهى الأمر ب«عتريس» محاصَراً من الأهالى الذين يشعلون النيران فى بيته ويحرقونه حياً. دراما ملحمية أخرجها المبدع حسين كمال عام 1969 بعنوان «شىء من الخوف»، عن قصة للأديب الراحل ثروت أباظة بنفس الاسم، كتب لها الحوار الشاعر عبدالرحمن الأبنودى، الذى يروى حكاية كتابته للفيلم فيقول إن منتجه الفنان صلاح ذوالفقار طلب منه أن يضع أغانى للفيلم الذى ستمثل فيه زوجته الفنانة شادية، وعندما شاهد «الأبنودى» السيناريو وجده مهلهلاً، فأغلق الباب على نفسه ثلاثة أيام، ليخرج بقصة مختلفة تماماً حتى عمّا كتبه أباظة، فيها الفكرة الرئيسية المتمثلة فى ظلم «عتريس»، والعقدة المتمثلة فى تزويج «فؤادة» بالقوة، والحل الذى جاء فى صورة ثورة الأهالى على «عتريس»، بالإضافة إلى عدد كبير من الأغانى الملحمية وضع لها الموسيقى الملحن العبقرى بليغ حمدى، منها: «يا عينى ع الولد» و«البنت وردة بيضا» و«فيه بلد اسمها الدهاشنة». المثير فى القصة أن هناك شائعة قوية صاحبت عرض الفيلم مؤداها أن «عتريس» يرمز إلى شخص الرئيس عبدالناصر، الذى كان يحكم مصر وقتها، ويقال إن الشائعة وصلت ل«عبدالناصر»، وإنه طلب أن يشاهد الفيلم بنفسه قبل أن يصدر قراره بمنعه، وإنه خرج بعد مشاهدة الفيلم مقتنعاً بأن «عتريس» لا يمثله من قريب أو من بعيد، فشاهد الفيلم النور وشاهده الناس جميعاً. فى «شىء من الخوف» يقف أداء محمود مرسى الرائع على مسافة واحدة من أداء «شادية»، كما يؤدى يحيى شاهين واحداً من أروع أدواره، ينافسه فيه محمد توفيق، وآمال زايد، بينما يخرج النجوم الشباب محمود ياسين وبوسى وسميرة محسن أفضل ما عندهم، غير أن أكثر ما يلتصق بأذهان الناس هو الممثل والمخرج أحمد توفيق فى شخصية «رشدى»، الذى أراد أن يثبت لزوجته أنه لا يقل إجراماً عن «عتريس»، فسخر منه الأهالى وضربوه، فانطلق صوته يؤكد لهم: «والنبى يا ناس أنا عتريس، والنبى يا ناس أنا بلوة سودا».