شجرة البؤس.. وضعت بذور تلك الشجرة فى أرض الإسلام عقب وفاة النبى صلى الله عليه وسلم، بعد أن أتم الله على المسلمين دينهم وأكمل عليهم نعمته ورضى لهم الإسلام ديناً. أتم النبى رسالته فى بناء أمة توحدت تحت رايتها قوميات مختلفة، منطلقاً من مبدأ «لا فضل لعربى على أعجمى إلا بالتقوى»، وبينما توحد المسلمون طيلة عصر النبى تحت راية الدين إذا بالسياسة -بعد وفاته صلى الله عليه وسلم- تذهب بهم كل مذهب، وتفرقهم فى دروب شتى، وتقسمهم إلى فريقين: فريق المؤيدين لولاية على بن أبى طالب رضى الله عنه للحكم، وفريق يرى أن الخير للمسلمين ألا ينحازوا لآل بيت النبى، وأن يختاروا لحكم المسلمين من هو أصلح للمرحلة. لم يضع النبى صلى الله عليه وسلم نظرية تفضيلية للحكم. محمد صلى الله عليه وسلم كان نبياً رسولاً، بعثه الله برسالة إلى الناس، أمضى عمره فى إبلاغها كخير ما يكون الإبلاغ، لم يكن للنبى صلى الله عليه وسلم أن يضع للمسلمين نظرية للحكم، إذ لم يكن ملكاً ولا هادفاً إلى الملك، بل كان نبياً رسولاً بعثه الله برسالة هداية إلى البشر أجمعين. تلك الحقيقة لم يكن يستوعبها مشركو مكة حين اجتمعوا به صلى الله عليه وسلم وقالوا له، كما يحكى «ابن كثير»: إن كنت إنما جئت بهذا الحديث تطلب مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً وإن كنت إنما تطلب الشرف فينا سودناك علينا وإن كنت تريد ملكاً ملكناك علينا وإن كان هذا الذى يأتيك بما يأتيك رئيا تراه قد غلب عليك بذلنا أموالنا فى طلب الطب حتى نبرئك منه أو نعذر فيك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بى ما تقولون! ما جئتكم بما جئتكم به أطلب أموالكم ولا الشرف فيكم ولا الملك عليكم ولكن الله بعثنى إليكم رسولاً وأنزل علىَّ كتاباً وأمرنى أن أكون لكم بشيراً نذيراً فبلغتكم رسالة ربى ونصحت لكم فإن تقبلوا منى ما جئتكم به فهو حظكم من الدنيا والآخرة وإن تردوه علىَّ أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بينى وبينكم». لم يكن النبى يريد الملك ليضع نظرية تفصيلية للحكم يتركها للمسلم، واكتفى فى هذا السياق بالتوجيه القرآنى الذى يحث الجماعة المؤمنة على الشورى «وأمرهم شورى بينهم»، وذلك هو ما فعله المسلمون بالضبط فى اجتماع «السقيفة» حين بدأوا التشاور لاختيار خليفة للنبى، وقد كان للعرب تجربة سابقة فى مسألة الشورى قبل بعثة النبى من خلال بحث أمورهم فى دار الندوة والاستقرار على رأى يتفقون عليه. فى «السقيفة» بدأت الانحيازات فى الظهور، مرة تبعاً للدور الذى يقسم المسلمين إلى (مهاجرين وأنصار)، وحسم المهاجرون الأمر لصالحهم فى النهاية، محتجين بالعصبية «القرشية» التى جعل النبى الأمر فيها، ثم بدأت منافسة أخرى بين المهاجرين أنفسهم، برز فيها اسم على بن أبى طالب، وتشيع له عدد من المهاجرين ورهط من الأنصار، وفى المقابل تحلق كبار الصحابة من المهاجرين والأنصار حول أبى بكر الصديق رضى الله عنه، ورأوا فيه رجل المرحلة، والأجدر بالخلافة لاعتبارات السن وعمق الصحبة، والأهم من ذلك «الانتماء القرشى»، بالإضافة إلى ما قاله عمر بأن النبى عهد له بإمامة الصلاة أثناء مرضه، الأمر الذى حمل إشارة عن رضائه صلى الله عليه وسلم عن خلافة أبى بكر له فى الدين والدنيا. وعلى مبعدة من هؤلاء كان «أبوسفيان» ورهطه من «بنى أمية» ينظرون، يرى فى نفسه الجدارة، وهو أهل السياسة والرياسة والسفارة، لكنه كان يفهم أن التوقيت والسياق لن يسمح لطلقاء مكة، وكان واحداً منهم بتصدر المشهد. توافق المسلمون على اختيار أبى بكر الصديق، رضى الله عنه، خليفة بعد مناقشة شابها قدر من التوتر والحدة داخل سقيفة بنى ساعدة. مناقشة أفرزت تلك المؤسسة التاريخية الكبرى المعروفة فى رحلة المسلمين: «مؤسسة الخلافة». توافق المسلمون على خليفة النبى صلى الله عليه وسلم فى اجتماع السقيفة، لكنهم لم يتصالحوا، فقد كان منهم من يرى أن علياً هو الأصلح لحكم المسلمين، وكان يرى أن انتماءه إلى بيت النبى يمنحه شرعية تميزه عن منافسيه، رهط من الأنصار وعدد من المهاجرين كان يرى ذلك. هذه الجماعة المؤيدة لعلى أصبحت تعرف ب«شيعة على» أو «حزب على». وبمرور الزمن أدت إلى ظهور أخطر صراع سياسى تدثر بثوب الدين فى تاريخ المسلمين.