صاحب الفخامة.. تعلم أنه فى ظل نظام ما قبل 25 يناير شُيِّدت قلاع الفساد والاستبداد.. وسُخِّرت مؤسسات الدولة لخدمة أصحاب الوجاهة والدولة فى استيلائها على أراضى وثروات ومقدرات البلاد والعباد.. تحديداً على امتداد ضفاف النيل وعلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط وعلى أرض أجمل بحيرات العالم، مسقط الطيور المهاجرة، وأنقى نسمات الهواء العليل (بحيرة البرلس).. سُرقت مصر تحت سمع وبصر ورعاية الحكومات المتعاقبة لحزب أذاق البلاد والعباد كل صنوف القهر والفساد والاستبداد.. كان المشهد يا صاحب الفخامة يؤكد للقاصى والدانى أنه لا صوت يعلو فوق صوت الفساد.. أكيد يا صاحب الفخامة كان هذا المشهد هو الأحق بدموعك ونور عينيك.. ففى مجلس مدينة مطوبس يكاد يكون اجتماع السادة الوزراء كامل العدد برئاسة رئيس المدينة.. فى الوقت الذى كان لا يكتمل نصابه برئاسة المرحوم الدكتور عاطف صدقى.. وكل ذلك من أجل توزيع وتقسيم تورتة الأراضى على السادة الوزراء وأبنائهم وأحفادهم، أطال الله فى أعمارهم.. وكانت أجهزة الدولة التى تُدفع أجورها ومرتباتها من دم الشعب المصرى تُسخَّر لخدمة السادة اللصوص.. عفواً السادة الوزراء وكبار المسئولين واللواءات والمحافظين.. كانت تستدعى قوات الأمن المركزى لإتمام عملية سرقة الأراضى وتوزيعها على كبار اللصوص.. أتعلم يا صاحب الفخامة.. وأنت رجل الأمن والاستخبارات.. أن الأراضى استولى عليها من الدولة ومن واضعى اليد من الفقراء والبسطاء لتحويلها إلى إقطاعيات لأبناء وأحفاد رؤساء الوزراء ووزرائهم.. وقام لصوص آخرون بتسقيع الأراضى.. حتى إن معالى زكى بدر الراحل حفر فى الأرض سجناً بجمعية فوه، وقال فى رسالته للبسطاء إن هذا مقبرة لكل من يجرؤ ويعلو صوته.. والحمد لله أن أبناءه حصلوا على هذه الأراضى ومنهم من جلس على مقاعد الوزراء حتى يعلِّم للأجيال ويرسخ فى أذهانهم أن الوزراء هم أبناء الوزراء حتى لو كانوا لصوصاً.. هذه الأراضى يا صاحب الفخامة كان لا بد أن يكون لها بنية تحتية.. فتم تحويل مخصصات القرى والمدن فى فوه ومطوبس لمياه الشرب والطرق والكهرباء وكافة المرافق إلى هذه الأراضى حتى يرتفع سعرها.. وبالطبع رئيس الوزراء لازم يرضى الوزير.. والوزير لازم يرضى المحافظ.. والمحافظ لازم يرضى اللواء.. واللواء لازم يرضى المخبر.. وقائد الأمن المركزى حينها لا بد أن يكون راسخاً على الأراضى التى استولى عليها.. وصل الأمر أن يكون لمعالى المخبر إقطاعية وضيعة لا يستطيع كلينتون فى زمانه أن يحصل عليها.. مش مصدقنى.. أرسل لجنة إلى هناك.. طبعاً لم يجد أهالى مطوبس وقراها إلا الفرار فى أعماق البحار بحثاً عن لقمة العيش فى حوارى وشوارع ليبيا وأوروبا ومالطا.. حتى أصبحت قرية برج مغيزل لا يمر يوم عليها دون أن ينعى الناعى شباب أبناء القرية.. فقد حرموا من أراضٍ حولهم.. ولم يجدوا يداً تحنو عليهم.. بل وجدوا يد عشماوى تقبض على أعنقاهم بكل قسوة وجبروت.. عفواً يا صاحب الفخامة.. هذه صفحة من ضمن آلاف صفحات سرقة الأراضى فى هذا الوطن.. من فضلك افتح ملفات لصوص البلاد التى تجمدت فى ثلاجة الفساد.. وكادت أن تذوب حروفها وسطورها من تواطؤ كل الأنظمة والحكومات.. قريباً سنهديك ملفاً من ملفات الفساد والاستبداد.