كشفت «الوطن»، فى مغامرة صحفية، عن واحد من تجار السوق السوداء المتخصصين فى الاستيلاء على تذاكر قطارات الصعيد وبيعها بأضعاف ثمنها بالاتفاق مع بعض العاملين المسئولين عن بيع التذاكر فى محطة مصر فى القاهرة. تبدأ معاناة أبناء الصعيد، المقيمين فى القاهرة، عندما يذهبون إلى محطة مصر ويقفون فى طابور طويل أمام شباك تذاكر الوجه القبلى، وعندما يصلون إلى الشباك، ويقولون: «والنبى عايز تذكرتين.. هاروح أسوان أو سوهاج أو قنا أو أسيوط».. ويأتى الرد: «لا والله.. مفيش.. ده خلص.. فيه تذاكر بعد شهر من النهارده، بس للأسف التذكرة لازم تطلع قبل ميعادها بأسبوعين». تتجسد المعاناة فى كيفية الحصول على تذكرة السفر، يضطر الشخص أن يتوجه لمحطة السكة الحديد فى رمسيس أو الجيزة بعد صلاة الفجر ليقف فى الصف من أجل الحصول على تذكرة، وغالباً عندما يصل إلى شباك التذاكر يبلغه الموظف بنفاد التذاكر على الرغم من أن الموظف لم يبع سوى عدد محدود من التذاكر لم يتجاوز ال 20 تذكرة، وهذا العدد بالطبع لا يصدقه عقل بالنسبة لمحطة قطار رمسيس وهى «الأم» لجميع محطات مصر، وأمام إعلان الموظف نفاد التذاكر، يلجأ المواطن إلى مافيا بيع تذاكر السكة الحديد، التى تبيعها بأعلى من سعرها ب 20 جنيهاً فى الأوقات العادية، وتصل إلى ضعف ثمنها فى الأعياد والمواسم. ذهبت إلى شباك التذاكر فى محطة رمسيس، وطلبت الحصول على تذكرتين إلى أسوان، لكن موظف الشباك أكد لى عدم وجود تذاكر حتى أول شهر يوليو، وسألته: «اللى عايز يحجز ييجى الساعة كام؟»، رد الموظف بأنه لا يوجد تذاكر نهائياً وحتى حال حضوره الساعة السابعة صباحاً لا يستطيع أن يحصل على تذكرة، لأن الصعايدة موجودون على شباك التذاكر من قبل صلاة الفجر، وسألته عن أى منفذ آخر لبيع التذاكر، وكانت المفاجأة عندما أرشدنى الموظف إلى فندق شهير بميدان رمسيس أمام المحطة يبيع تذاكر قطارات الوجه القبلى. ذهبت إلى الفندق، وطلبت تذكرتين درجة ثانية مكيفة التى يصل سعرها إلى 55 جنيها، وكانت المفاجأة عندما سألنى موظف الفندق عن ميعاد القطار الذى أفضله، والمكان الذى أفضل الجلوس فيه، سألته عن مواعيد القطارات التى يوجد تذاكر لها، فقال موظف الفندق توجد تذاكر على كل القطارات. اشتريت تذكرتين ثمن الواحدة 75 جنيهاً بزيادة 20 جنيهاً عن ثمنها الأصلى، وفى النهاية قام موظف الفندق بإعطائى «كارت» به رقم هاتفه المحمول حال رغبتى فى الحصول على تذاكر أو إرسال أى أحد من معارفى. ذهبت مساء الاثنين الماضى إلى العميد أيمن كامل، وكيل فرع المباحث بالسكة الحديد، وتقابلت معه فى مكتبه بالهيئة، ورويت له ما حدث أثناء رغبتى فى الحصول على تذكرتين إلى الصعيد، واتفقنا على أن أذهب إلى الفندق بزعم الرغبة فى شراء تذاكر، على أن تداهم مباحث النقل والمواصلات، الفندق وتلقى القبض على المتهمين، والمضبوطات. فى الثامنة من مساء الثلاثاء الماضى، تحركت ومعى مأمورية لضبط المتهم متلبساً بالمضبوطات، وكان معى زميلى هشام محمد بمقر شرطة النقل والمواصلات خلف محطة قطار رمسيس، وانتظرنا داخل مكتب العميد أيمن كامل وكيل إدارة البحث الجنائى حتى حصل رئيس المباحث على إذن من النيابة العامة بالتفتيش. واستلمت مبلغاً مالياً قدره 150 جنيهاً وأخذت الأرقام، واتفقوا معى على الاتصال بالعقيد محمد عبدالقوى فور شراء التذاكر وأن يحاول أن يقف معه حتى وصول القوة إليه، وبعد أن اتجهت إلى الفندق لشراء التذاكر وانطلقت خلفى مأمورية تضم العميد أيمن كامل والعقيد أحمد شوقى من مباحث النقل والمواصلات بمحطة قطار رمسيس والعقيد محمد عبدالقوى رئيس المباحث الجنائية بالسكة الحديد والمقدم أسامة منصور رئيس مباحث محطة قطار رمسيس، وعدداً من أمناء الشرطة، والمخبرين السريين يراقبوننى عن بعد حتى لا يلفتوا أنظار المتهمين الذين لديهم أعين سرية فى ميدان رمسيس، وسلكت المأمورية طريق مترو الأنفاق. خرجت فى اتجاه مسجد الفتح ودخلت الفندق وتقابلت مع صاحبه الذى طلبت منه شراء تذكرتين درجة ثانية مكيفة لأسوان، وحصلت على تذكرتين على قطار رقم 988 «القاهرة - أسوان» الذى ينطلق فى الساعة السابعة مساء يوم الأربعاء، أعطيته 150 جنيهاً ثمن التذكرتين فى السوق السوداء، ودخلت إلى الفندق، واتصلت بالعقيد محمد عبدالقوى، ثم خرجت من الفندق ووقفت بجوار المكتب وتحدثت مع صاحب الفندق من جديد حتى دخلت القوة وضبطت المتهم وبتفتيش المكتب، عثر على العشرات من التذاكر على قطارات الصعيد المختلفة معلقة أعلى سقف المكتب بجوار المبالغ النقدية من متحصلات بيع التذاكر، واصطحبت القوة المتهم إلى قسم شرطة محطة رمسيس وحرزت المضبوطات، وحرر محضر وقررت النيابة حبس المتهم واستدعت موظفى السكة الحديد العاملين بشباك التذاكر لاستجوابهم حول تورطهم فى بيع التذاكر. وقال العميد أيمن كامل، وكيل الإدارة العامة لمباحث النقل والمواصلات بالسكة الحديد، ل«الوطن»، إن بيع تذاكر القطارات بالسوق السوداء أصبح له مافيا نظراً للأرباح الكبيرة التى تحققها تلك التجارة غير المشروعة.