على بعد خطوات قليلة من مسجد السيدة زينب، وتحديدًا من داخل شارع "السد" التجاري، اختلطت روائح البخور بالياميش.. وامتزجت أغاني رمضان بتهاني المواطنين بقدوم شهر الصوم، وسط المناخ الرمضاني البهيج يعلو صوت أحد البائعين في شارع "السد" بكلمات يملأها التعب "تعالى شوف أحلى بلح عندنا"، تقبل عليه سيدة خمسينية "بكام البلح يابني"، يجيبها "20 جنيه.. ده بلح السيسي ياحاجة.. ده حاجة نضيفة تعالي وشوفي بنفسك"، الحوار القصير بين السيدة القاهرية وبائع البلح، لم تفارقه السياسة المهيمنة على عقول الجميع.. فتنصرف السيدة العجوز متمتمة بكلمات استهجانية بصوت خافت.. لم يظهر منها سوي قولها "سيسي إيه بس!!". المصريون كعادتهم يخلقون من الأزمات مناخ للفكاهة والمرح، فروح السياسة وتبعاتها اختلط بطقوس الشهر الكريم، بين المكان الملئ بالتناقضات، يقف "أحمد" الشاب نحيل الجسم مقلبًا عينيه السمرواين بين المارة "الأسعار نار السنة دي وقليل أوي لما حد بيجي يشتري، بس الزبون أول مابيشوف اسم السيسي على البلح بيشتريه.. السيسي طبعاً هو الكسبان"، حديث يلقي به البائع أسمر اللون على مسامع شريكه في الجلوس أمام محل بيع ياميش رمضان. "السيسي.. عدلي منصور.. تمرد.. القوات المسلحة.. وجيكا"، أسماء تملأ أرجاء الشارع المصري، الأمر الذي دفع تجار البلح والياميش إلى استغلال هؤلاء المشاهير لترويج بضاعتهم، بل وصل بهم الأمر إلى اطلاق اسم "حلاوة روح" على أحد الأنواع، أمل أن ينجح هذا الاسم في جذب الزبون، ولكن وقفت هذه الحيلة الطريفة مكتوفة اليدين أمام الارتفاع الجنوني للأسعار، لتبقى البضاعة مصطفة في قفف بحثًا عن المشترين. على بعد خطوات قليلة يقف "محمد بكر" أمام محله الصغير، وبصوت مضجر جراء قلة البيع والشراء شاكيًا ضيق الحال "الأسعار نار ومفيش بيع ولا شرا الحاجة الوحيدة اللي رخصت شوية الفول" يقولها بكر، وعيناه ينطلق منها نظرات متألمة صوب أجولة ممتلأة بالياميش المعروض باحثًا عن مشتري، شيئا مشترك اجتمع عليه البائعين والزبائن هو "غلو الأسعار".. فكلمات الزبائن للهجوم على أسعار البضائع العالية يكملها التجار الشاربين من ذات الكأس، حيث تخطت أسعار الياميش المعدل الطبيعي لتتراوح بين ال100 جنيه وال120 للكيلو الواحد، بحسب البضاعة المعروضة بمنطقة السيدة زينب. مشهد غياب فرحة رمضان الذي يعيشه شارع السد، يكمله أحد المواطنين بجولة داخل أحد المحلات الذي اصطفت بضاعته في كامل زينتها على الأرفف، يتجول المواطن القاهري بين أركان المكان متفحصًا الأسعار دون مبادرات للشراء إلا قليلًا، ما ضاعف من خيبة أمل البائع أمام حالة الكساد ولسان حالهم يشير إلى استسلام السوق لمؤشر الأسعار، حيث جلس البائعون وزفير غضبتهم يملأ جنبات الشارع التجاري وهو خاوي على عروشه.