تقابلت وأنا عائدا من عملي إلى بيتي, بزميل دراسة قديم اسمه طارق هذا هو اسمه الحقيقى اما عن اسمه الحركى أو القديم الذى كنا نناديه به فى المدرسة على سبيل ضرورة أن يجمع الفرد بين أسمين فهو يختلف عن ذلك جملة وتفصيلا حيث كنا نطلق عليه " ثعلبه " نعم كان هذا إسمه لأنه كان داهية وكثير المقالب كالعفاريت الشقية التى تحب مداعبة البشر, فهو لم يكن ليهدأ أبدأ ومن ثم فقد إستحق لقبه هذا بإقتدار. إستغربت واصبت بدهشة كبيرة لما رأيت شعره وقد تحول كله من اللون الاسود إلى اللون الأبيض ولا أدرى كيف تسيد عليه كل هذا الشيب رغم انه لا يزال فى الثلاثين من عمره لم يتوغل فيها بعد بقوة إحتضنته ودار بيني وبينه حوارا سريعا ونحن فى طريقنا لشباك تذاكر مترو الانفاق محطة الإسعاف أزايك عامل إيه يا طارق ؟ الحمد لله يا بلبل أنت اللى عامل إيه يا بني ايه ده أنت زى ما أنت عصفورة متخنتش لسه ؟ أنا مش بتغير يا بني أنا ثابت مش متحرك هوه أنت رايح فين ؟ مروح حلوان يعنى لا العكس أنا دلوقتى ساكن في عزبة النخل اشمعنا ؟ اتجوزت وقعدت هناك وانت شرحك اتجوزت بس مسبتش حلوان لسه متمسكة بيها وشغلك موظف حكومى بمصلحة الشهر العقارى مع مرتبة الشرف ربنا معاك ومعاك . سبقته إلى شباك التذاكر وتحصلت على تذكرتين من وسط الزحام, ناولته تذكرة منهما وسلمت عليه مجددا وقلت له :" يالا أتوكل على الله خليني أشوفك عايز اعرف الأيام عملت فيك أيه اكتر من تغيير لون شعرك إن شاء الله يا بلبل خد تليفوني هات ..... طيب مع السلامة توجه هو لإتجاهه العكسى" المرج " بينما توجهت أنا لأستقل قطار حلوان إستقللته وبعد ثلاث محطات بالتمام والكمال فوجئت بلافتة المحطة تقتلني وذلك عندما أخبرتنى أن المحطة المتوقف عندها القطار هي محطة "دير الملاك" إنتفض قلبي وإنخلع من مكانه لأسأل أحد الأشخاص : هو ده مش إتجاه حلوان حملق بإحمرار فى وجهى وقال لى وكأن شيئا من عظائم الأمور قد حدث فى الدنيا شيئا ما فى حجم الكارثة أو المصيبة أو أكبر :"لا طبعا الحق انزل بسرعة انت راكب غلط " كما فزع في جميع من في عربة القطار وقالوا لى هيا بسرعة بسرعة انزل قلت في نفسي "يا ساتر يا ساتر" نزلت مغشيا على من هول المفاجأة وساءلت نفسي فى حساب محفوف بالذنب كيف لا أعرف الإتجاه الصحيح إلى بيتى كيف وأنا يوميا أركب القطار من محطة وسط البلد متوجها إلى حلوان كيف لي أن أخطا وأنا الخبير بمحطات المترو كلها وأنا المطلع على خطط تطويره ومراحلها المختلفة بداء من الشركة الفرنسية المحتلة إلى الشركة المصرية الغير مهتمة كيف وأنا أبن هذا القطار منذ زمن بعيد فأنا من رواده منذ اكثر خمسة عشر عاما مضيت متوجها به لجامعة القاهرة التى كنت أدرس بكلية الحقوق فيها ,قلت فى نفسى بسيطة يبدو أن بالى المشغول بأشياء كثيرة من هم وغم وفصيلتهما هو الذى فعل بى ذلك وتسبب فى عكس الإتجاهات أمام ناظري ورغم ذلك حاولت بألا أفرط فى الخوف فالخطأ وارد ومن منا لا يخطأ أو يغفل ؟ وكذلك قالت لى نفسى "لا بأس أمر طبيعى قد يحدث وقد لا يحدث " ومن ثم تحولت إلى الجهة المقابلة لأستقل قطارى المنشود وللمرة الثانية إستقللته وبعد قليل من الزمن شعرت فيها بأنه قد مضى على أزمنة وسنوات وأنا داخل هذا الكشك المتنقل نظرت إلى الخارج لأتعسس كم بقى من محطات فوجدت لافتة المحطة مكتوب فوقها بالبنط العريض الذى لا يقبل اللبس أو الشك "محطة عزبة النخل" أصبت بالذعر والفزع وإحتشد فى صدرى كل الخوف الذى فى صدور كل الناس فساءلت نفسى بقوة وحزم هذه المرة وكأنى أعاقبها ما هذا الذى يحدث كيف له أصلا أن يحدث أو يكون أنا واثق إننى قد ركبت فى الإتجاه الصحيح لم أخطء أبدا فكيف تخطىء الأشياء من حولى كيف لم تصيبنى قلت : " هل أنا أحلم أم أهزى هل بى من مرض " ورغم ما أنا فيه رغم الدهشة والفزع إستطعت من جديد أن ألم شتات نفسى وأستجمعها وقلت لها ولى لأعيد ترتيب الأحداث من جديد حتى أستطيع أن أفهم فلقد قابلت طارق او ثعلبه سلمت عليه, وقطعت تذكرتين ناولته واحدة, والأخرى ظلت فى يدى ذهب هو إلى إتجاه المرج إتجاهه الصحيح وذهبت أنا الى إتجاه حلوان إتجاهى المقصود لا توجد أحداث أكثر من ذلك الحسبة إذا بسيطة لا يوجد أدنى شك فى ذلك إذا فما الأمر ما هذا التوهان الذى أنا فيه. قررت أن أنزل وأتوقف قليلا مع نفسى لأجلس على كراسى المحطة لأهدأ وأستقر نفسيا لأربط جأشى حتى أقدر على إستعادة الأشياء وامشى فى اتجاهى الصحيح هكذا اه المكان هادىء والضجيج قل الساعة الآن الرابعة والنصف نعم تبدو الأمور منطقية فلقد قابلت طارق الساعة حوالى الرابعة وركبت ونزلت ثم ركبت ونزلت إستنادا " أدير وجهى بعفوية " أرى ساعة المترو تشير إلى الثامنة والنصف مصيبة أخرى أصطدم بها ساعتى تشير إلى الرابعة والنصف, وساعة المترو أو الحكومة تزيد عنها أربع ساعات وعلى ما يبدو إنها هى الأصوب لأن الليل بالفعل كما أراه قد جن على الكون وزادت حلكته والناس قليلون فى مثل هذا الوقت من شتاء فبراير ترى ما الذى جرى ما الذى حدث أأحلم أنا أم أخطأت أم ماذا لابد أن أحد هذه الخيارات هى الصحيحة لابد أن أضع يدى على السر حتى لا أترك الأمور معقدة لابد من حل سريع وتفسير منطقى حاولت بكل ما أوتيت من قوة أن أركز أن أشحذ كل تفكيرى فى الوصول إليه صرت أكثر عقلانية بدأت أفكر وأشعر بمتعة التفكير تنصب على عقلى بدأت أدرك وأشعر بعظمة الفكرة التى فى رأسى ولكننى فجأة وجدت أقوام مختلفون يحيطوننى كانت ملامحهم غريبة ليست مصرية أو حتى هى بعربية بالمرة ولكنى لا أدرى رغم نفى لمعرفتها إلى أى البلاد تنتمى خفت وشعرت بالبرد يسرى فى جميع أوصالى, وبدأت الامور تزداد تعقيدا ولم أعد افكر فى إتجاه حلوان ولا فى حل للخطا الذى وقعت فيه تلاشى كل ذلك , وعندما تقدم أحد هؤلاء الأشخاص الغرباء منى سألنى من أنت قلت :أنا بلبل فقال : ليكن ماذا تريد أيها الفأر الصغير المزعج وما هذه الملابس القديمة التى ترتديها أجبته وقد شعرت بالوجع فى عظامى من تأثير مسكته الحديدية بيده الكبيرة لا لا أريد شيئا أريد فقط العودة إلى منزلى وما مانعك من هذا فلتعد إن شئت حتى للجحيم لا أعرف الطريق وهل تظن إننا سنخبرك به هذه مسألتك فلتحلها وحدك هيا أغرب عن وجوهنا لأننا نريد النوم على حديد القضبان فهذا هو آوان نومنا الهادىء نظرت إلى عينيه المتقدتين نارا كمصانع الحديد والصلب, ولم أقدر سوى أن أسحب نفسى وأسلم أمرى وأقول ردا عليه : نعم سأذهب حالا كى تناموا وترتاحوا وبسرعة هرعت إلى خارج المحطة التى خلت تماما من أية مخلوقات بشرية أعرفها وتعرفنى حتى أن الماكينات الحديدة المعتادة لم تكن موجودة توقعت أن أجد عربات تقلنى إلى أى إتجاه حتى ولو لم يكن إتجاهى الحقيقى كان فى نفسى خوف شديد وذعر من هؤلاء الأشخاص الساعون للنوم فوق القضبان مررت بكل الشوارع علنى أجد أى شى ء يريحنى, ويخلصنى من متاهتى فلم أجد حولى إلا الفراغ والفضاء ولكن ما حدث فجاة هو أن وجدت الشمس قد ضربت عينى بقوة فما كان إلا أن غشى على ولم أشعر إلا بنفسى تهذى وتحلم وبعد فترة من هذيانى الذى شعرت معه بشيئا من الراحة سمعت صوت حكيم أو رجل مسن يخاطب من التف حولى محاولا إفاقتى أو إستيضاح الأمر يقول فى الجمع فى هدوء: " أتركوه لى وإنسحبوا للخلف فأنا أعلم من هو وما هى حكايته, " وكأن هذا الرجل المسن يملك سلطة طى البشر وطهيهم فى إناء واحد فقد إنسحبوا بسرعة دون ضجيج طواعية. وبينما أنا أتفرس ملامحه أثناء لحظة إفاقتى وجدته شيخا يرتدى لحية لكن ضحكته لم تكن غريبة عنى فقد رأيتها من قبل فى التلفاز وأثناء الصلاة رأيتها فى كل مكان لم أتردد أن أخلص نفسى منه أن أنهض واقفا وبسرعة نفضت ملابسى, وعدوت بقوة ناحية المترو عدوت بكل قوتى عدوت عدوت, كنت أهرب أستغيث أصرخ, وكان هو وراءى يلاحقنى يعدو يجرى وكأننى مقصده عدوت بأقصى سرعة شعورى بالخطر جعلنى أسابق الريح ولكن ظهر لى فجأة وأنا اعدو ظهر أمامى الشخص الذى نهرنى عن التواجد داخل المحطة لأنه يريد هو ورفاقه النوم الهانىء, كان ينتظرنى فاتحا كلتا يداه لي, وكانه يثق بإبتسامته أنه سيفوز بى بين يديه كان يبدو عليه انه ينوى أن يفترسنى كذئب , ولكنى لن أتوقف لن أستسلم سأعدو وأعدو سأهرب يمينا لا بأس أسرع أسرع هيا أيتها النفس أنت الأخرى أهربى فالخطر يداهمك ها برافو عليكى لقد نجحنا فى إجتيازه ولم يستطع أن يحظى بنا, لكن ما هذا الذى وراء هذا الشيخ الملاحق أرى انه هو صديقي طارق نعم إنه هو يقف فى منتصف الشارع ومعه بقية الأصدقاء والشلة القديمة, حمدا للرب لقد جاء هو والرجال لنجدتى فى الوقت المناسب لذا علا صوتى الداخلى فرحا بالبشرة: " هيا يا طارق أفعلها كف هؤلاء عنى إجعلهم يتقهقرون للخلف حتى أعود إلى بيتى " وها أنا بالفعل أقترب من طارق ولكنى ألقى نظرة خاطفة على من هم وراءى فلا يزال الجميع محمومين بحمى النيل مني ليكن سيريكم طارق وكل الزملاء جزاء صنعكم أيها الأوغاد , لكن فجأة رأيت الشيخ الذى يعدو وراءى يقول بصوت عالى وبثقة: هيا أمسكه يا طارق لا تجعله يفلت بات قاب قوسين أو أدنى منا. أه ما هذا لا يمكن وكيف يكون " أيخونى طارق؟! حتى أنت يا طارق ماذا حدث للجميع أه ظننت الخير قادم فإذا به كل الشر ولكن لا بأس هذه هى الحياة لا أمان لها ولا لمفرداتها لأهرب من طارق الخائن لا يأس ولا تراجع أو إستسلام لأنحرف هذه المرة يسارا لأفلت من الزملاء والرفاق ولا بأس لأضيف أيضا القائمة أعداء جدد هيا فلتنضافوا جميعا هيا هيا.