يواجهون الطبيعة، ينعمون ويعانون مع تقلباتها المختلفة، يفترشون الأرض طالبين الرزق، وحين تهب العاصفة يسارعون بجمع بضاعتهم والاحتماء تحت إحدى المظلات القماشية التي يتسرب منها الماء، أو تحت أسوار أحد المباني لحماية قوت ابناؤهم، ينتظرون فرصة إيقاف الأمطار ليعودوا لاستكمال عملهم. يقفون في الشوارع حيث لا سقف يقي الرؤوس من سقوط الأمطار المتتالي، الطرقات امتلأت بالمياه، فالكل يهرول ليحمي منتجاته المستباحة للأمطار وما خلفته من طين تنثره السيارات على ملابسهم وما يبيعونه. بجانب أحد أسوار المترو الخارجية، يقف الشاب العشريني محمود عبدالرسول، أمام بضاعته، حيث يبيع "الطُرح"، لم يقدر على أن يترك مصدر دخله رغم سقوط الأمطار، "مقدرش أمشي واللي في البلد يأكلو ازاي لما أنا أروح"، فيرى أن سقوط الأمطار والوقوف في الأجواء الباردة، ليس سببا لأن يترك أسرته تعاني من نقص الأموال نتيجة قراره في الراحة. منذ 7 سنوات واعتاد "عبدالرسول" الوقوف في ذلك المكان، ففور أن بدأت الأمطار في التساقط، جمع بضاعته ووقف بجانب أحد مداخل العمارات حتى انتهت الأمطار، ليسعى في تنظيف مكان وقوفه، ويفترش بضاعته مرة أخرى للبحث عن مصدر دخله، "وشوية شوية بدأت الزبائن ترجع تاني". على بعد أمتار قليلة منه، تقف أم إيمان، تلك السيدة الستينية التي اعتادت الوقوف في مكانها لبيع بعض الأدوات البلاستيكية، "بشتغل عشان بناتي الأيتام"، فلأجل بناتها قررت الاستمرار في عملها رغم الأمطار، فأخرجت الغطاء البلاستيكي الذي اعتادت الاحتفاظ به في فصل الشتاء، وجلست بكرسيها البالي تحت إحدى لافتات المحال لتحميها من الأمطار. "من ساعة المطرة لحد دلوقتي مفيش زبون"، قرابة ال5 ساعات منذ هطول المطر وحتى الانتهاء لم يقف أي زبون أمام بضاعة "أم إيمان"، ولكنها مستمرة في الجلوس أمام بضاعتها تأمل أن تبيع منها أشياء "قاعدة على أمل أن ربنا يرزقني بأي حاجة أروح بيهم للبنات". على إحدى عربات بيع سندويتشات الكبدة يقف الرجل الثلاثيني صفوت رجب، ليفترش عربته مرة أخرى بعدما جمع بضاعته بسبب الأمطار، فلم يفكر في الرحيل لأسباب عديدة "أنا شغال على العربية دي، وصاحبها ميعرفش مطر ولا برد عايز إيراد اليوم"، ليس هذا وحسب، فلديه أبناء ينتظرونه ليعود لهم بالمال لتوفير نفقات حياتهم. "الحمد لله الناس بدأت تيجي"، بعد ما يقرب من ساعة من انتهاء الأمطار تفاجأ "صفوت"، بوقوف أحد الزبائن لشراء السندويتشات، زبون تلو الآخر بدأ العمل معه يتحسن نسبيا عن الساعات السابقة. عمال النظافة كانوا في مهمة أخرى ولكنهم مشتركون مع سابقيهم في الحفاظ على "لقمة العيش"، فتتطلب منهم وظائفهم التواجد في أي ظرف مهما كان، إبراهيم السيد، ترك مسقط رأسه في بني سويف للعمل في القاهرة كعامل نظافة، "ظروف شغلي أبقى موجود في كل وقت، لو مش هشتغل مين هينظف الشوارع للناس عشان تمشي".