على مدار العقد السابق، فر العراقيون المسيحيون بشكل متكرر إلى هذه القرية الجبلية، طالبين الملاذ من العنف، ثم يعودون إلى ديارهم بعدما ينحسر الخطر. الآن، يفعلون ذلك كرة أخرى فيما تتقدم الميليشيات الإسلامية في شمال العراق، لكن هذه المرة، قال عدد قليل منهم إنهم لا يريدون العودة إلى منازلهم. هذا الهروب يمثل هزة جديدة للمجتمع المسيحي العراقي الذي تناقص تدريجيا، وهو مجتمع قديم قدم الديانة المسيحية نفسها لكنه تعرض لنكبات منذ الغزو الأمريكي للعراق 2003. وخلال ال11 عاما الماضية، فر نصف مسيحيي العراق على الأقل من البلاد، طبقا لبعض الإحصائيات، هربا من الهجمات المتكررة من ميليشيات مسلمة سنية تستهدفهم وتستهدف كنائسهم. والآن، الكثير من هؤلاء الذين صمدوا وبقوا ربما يستسلمون بالكامل بعد قيام مقاتلين ينتمون لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، "داعش"، باكتساح مدينة الموصل والسيطرة على رقعة كبيرة من البلاد الأسبوع الماضي. تقول لينا "لن أعود"، بعد أن فرت من الموصل مع عائلتها بينما اجتاحت الميليشيات المدينة، وجاءت لينا إلى القوش، التي تبعد نحو 50 كيلومترا شمال البلاد. وأضاف لينا البالغة من العمر 57 عاما "كل يوم نذهب إلى فراشنا خائفين"، وأضافت بينما كانت تجلس في منزل للنازحين "في منازلنا، كنا لا نعرف الراحة". ومثل كثير من المسيحيين الذين فروا إلى القوش، طلبت لينا ألا يتم الإفصاح عن اسمها بالكامل خوفا على سلامتها. وبرحيلهم، تخلوا المنطقة من مجتمعات يرجع تاريخها إلى القرون الأولى من المسيحية، منها الكلدانية والسريانية والأرمنية. والأسبوع الماضي، فر نحو 150 عائلة مسيحية، معظمها من الموصل، إلى القوش، بحسب ما قال عمدة المدينة صبري بوتاني للأسوشيتد برس، بعد مراجعة الرقم مع زوجته أولا التي تحدث إليها بالكلدانية، اللغة القديمة التي يستخدمها كثير من السكان. ويعود تاريخ القوش إلى القرن الأول قبل الميلاد على الأقل، وهي مكونة من مزيج من المنازل ذات الألوان الفاتحة التي تقع على سفح تل عال الانحدار بين عدد من حقول القمح. وتعداد المدينة حوالي 6 آلاف نسمة ونصفها من المسيحيين ونصفها الآخر من الأكراد. ولأنها تقع بالقرب من المنطقة الكردية ذات الحكم الذاتي المستقل، فقد انتقلت إليها قوات مقاتلي الأكراد، البشمركة، لحمايتها. ويعتبرها كثير من المسيحيين من المناطق المتحررة والمزدهرة إلى حد ما بين المناطق الكردية، ولهذا تمثل إليهم الرهان الأكثر أمنا. يقول المهندس أبو زيد، "كل مسيحي يفضل البقاء في كردستان"، وهو أيضا قال إنه لن يعود إلى الموصل. وأضاف "شيء مخزي لأن الموصل هي أهم مدينة في العراق بالنسبة للمسيحيين"، وتعتبر الموصل مكان دفن النبي يونس، الذي تقول الكتب الدينية تاريخيا إن الحوت ابتلعه. وكانت الإحصاءات تشير إلى وجود أكثر من مليون مسيحي في العراق قبل غزو القوات الأمريكية لها في 2003 والإطاحة بصدام حسين. أما الآن، يقول مسؤولون في كنائس إن هناك ما يقدر بحوالي 450 ألف مسيحي داخل الحدود العراقية. واستهدفت الميليشيات المسيحيين في موجات متكررة من العنف في بغداد وفي الشمال. أما كاردينال الكنيسة الكلدانية فقد تعرض للاختطاف على يد متطرفين في 2008، ثم قتلوه. وتعرضت كنائس في أنحاء مختلفة من العراق إلى التفجير بشكل متكرر. وكان الخروج من الموصل أكثر درامية. فالموصل مدينة ذات أغلبية سنية وكانت معقلا لتنظيم القاعدة خلال الوجود الأمريكي في العراق. وبينما كان عدد المسيحيين قبل الغزو الأمريكي للعراق في 2003 هو 130 ألف شخص، بقي فقط 10 آلاف قبل أن تأتي "داعش" وتدير المدينة منذ أسبوع. وقدر أبو زيد عدد المسيحيين المتبقين في المدينة بألفين فقط. والمسيحيون الذين لم يغادروا العراق كلية فروا من منازلهم إلى أنحاء أخرى في العراق بعدما بلغت الأخطار منتهاها وذلك أملا في العودة لاحق. وقال العمدة بوتاني إن هذه هي المرة السادسة خلال الأحد عشر عاما التي يأتي فيها المسيحيون من مناطق أخرى في جماعات إلى القوش طلبا للملاذ. هو نفسه فر إلى هنا من بغداد في 2009 بعد تفجير كنيسة في العاصمة. وهذه هي المرة الثالثة لعدنان، مالك محل أحذية في الموصل البالغ من العمر 60 عاما، يبحث فيها عن مأوى في القوش. وهو نفسه قدم في 2008 بعد مقتل قس في الموصل، ثم مرة أخرى في 2010 بعدما انتشرت شائعات عن هجوم وشيك على المسيحيين. وفي كل مرة كان يعود ومعه أسرته بعدما يتعهد المسؤولون العراقيون بتوفير الأمان للمسيحيين.