اللقطة الشهيرة فى معظم أفلامنا القديمة الأبيض والأسود، كانت البنت «دلال» تمشى فى الحارة بالخلخال والملاية اللف، ويقوم أحد الشباب بملاحقتها ومعاكستها بالكلمات، فيقوم الشباب والرجال من على القهوة بترك الشيشة والدومينو والانقضاض بالضرب والسباب على هذا الشاب، فى مشهد يدل على نخوة وشهامة الشارع المصرى، وكانت تلك أدبيات وثقافة المصريين فى الحارة، فضلاً عن الأماكن الراقية التى كنا نشاهد الرجل فى الأفلام أيضاً يقبل يد المرأة حين يسلم عليها، ويفتح لها باب السيارة، ويجلسها فى المقعد أولاً بجر الكرسى لها، وكانت لفظة «هانم» هى المستخدمة للحديث عن السيدة فى أدبيات لغة مصر فى أحيائها الراقية فى تلك الحقبة. لو تحدثنا مثلاً عن ملابس المرأة فى تلك الفترة، فما من مثال أروع من حفلات الست أم كلثوم، لنرى كيف كانت نساء مصر يتفوقن على سيدات باريس فى الشياكة، كانت النساء يرتدين فى تلك الحفلات المينى جيب، والفساتين الضيقة القصيرة بدون أكمام، وفى الأماكن الشعبية لا يوجد أشهر من روايات نجيب محفوظ «زقاق المدق» والثلاثية مثلاً، للحديث عن فساتين المرأة المغرية جداً فى الحارة وزينتها وملايتها اللف مع السابو الملون والخلخال. إذن، لم تكن النساء محجبات ولا منتقبات ولم نسمع وقتها عن ظاهرة التحرش اللعينة، واتهام زى المرأة بأنه مدعاة للتحرش والأسئلة الغريبة مثل إيه اللى وداها هناك؟ وإيه اللى لبسها كده؟ وليه مش محجبة؟ والمحجبة ليه مش منتقبة؟ والمنتقبة أصل الكحل بتاعها أغرانى!!!!! ما الذى أدى لهذا التدهور الأخلاقى لدرجة اغتصاب فتيات فى ميدان عام؟! يا مصريين إيه جرى لنا إيه؟ احتقار المرأة هو سبب ما حدث، وظهور فئة من المتشددين دينياً يشوهون صورة المرأة المصرية، ثقافة البداوة والجلفنة هى السبب، غسل عقول الشباب بأن المرأة خلقت فقط للجنس ومتعة الرجل، تهميش دور المرأة التى ناضلت كتفاً بكتف مع الرجل على مر التاريخ المصرى، فضلاً عن ثقافة الانفتاح الفاشلة التى جعلت كل شىء يباع ويشترى، فتلاشت القيم واندثرت العادات والمثل العليا، وظهرت ثقافة «أبجنى تجدنى والسبوبة». يا مصريين إيه جرى لنا إيه؟ بدلاً من ضرب وتوبيخ شاب عاكس فتاة كما كان يحدث فى أدبياتنا، أصبح التحرش والاغتصاب يتم تصويره فيديو وبثه على اليوتيوب! الهمجية والعشوائية والغوغائية سيدة الموقف، تشويه الشخصية المصرية بالمخدرات والترامادول، الفقر والجوع والمرض، الاستبداد السياسى والقمع والكبت لثلاثين عاماً، فوضى أطفال الشوارع ومن يعيشون تحت الكبارى وفى المقابر والعشوائيات، فشل التعليم والإعلام، العنوسة والمشاكل الاقتصادية وتأخر سن الزواج، كلها أسباب لهذا الانفلات الأخلاقى فى مجتمعنا. نحتاج ثورة أخلاقية وقيمية وإعلامية وتعليمية ودينية، إخراساً للمتشددين دينياً، قوانين صارمة رادعة تطبق على هذه الشرذمة من الشواذ، شرطة مكافحة التحرش والاغتصاب، تأهيلاً نفسياً للمراهقين والمراهقات. ولا يسعنى فى النهاية كامرأة، إلا تقديم الشكر للسيد الرئيس عبدالفتاح السيسى على زيارته المحترمة لضحية التحرش ورد فعله السريع بإنشاء لجان وزارية ودينية وشرطية للتصدى لهذه الآفة التى تدمر وتشوه مصرنا الحبيبة.. شكراً سيدى الرئيس.