حالة من التخبط تسود أروقة البيت الأبيض.. أعوام كاملة من التخطيط لمشروع جديد فى منطقة الشرق الأوسط راحت هباءً.. لا أحد داخله يدرك حقيقة ما حدث، وكيف وصلت الأمور إلى تلك النهاية، ولكنه يظل الواقع سواء قبلوه أو رفضوه.. الجميع يحاول لم شتاته بأسرع وقت ممكن، فالحرج السابق كان كافياً لتأزيم الأمور فى وقت لا داعى فيه لإثارة توترات مع دولة هى الأهم فى الشرق الأوسط. الرئيس الأمريكى باراك أوباما لم يستطع السيطرة على غضبه رغم تحفظه الشديد حول الأمر، حاول فى البداية السيطرة على إدارته، ومنعها من الإدلاء بأى تصريحات تزيد الأمور سوءاً، ولكنه سرعان ما ينزلق إلى منحدر يصعب الخروج منه.. تعليقات تخرج من مستشاريه وأعضاء «الكونجرس» فى بلاده تزيد الأمور صعوبة وتأزيماً، يحاول هو احتواء غضبه وحالة التخبط التى اعترته منذ عزل الرئيس السابق محمد مرسى، الذى لم يتوان لحظة فى الدفاع عنه، ويضطر إلى تهدئة حدة الصدام التزاماً بالمصالح الأمريكية فى المنطقة. رغم ذلك، يحاول «أوباما» أن يظهر بعض الامتعاض غير المباشر مما جرى، فمشهد النهاية كان مختلفاً تماماً عما خطط له فى السابق، فيقرر أن يتأخر فى توجيه التهنئة إلى الرئيس الجديد عبدالفتاح السيسى بحجة انشغال جدول أعماله ووجوده خارج البلاد، رغم أنه وجه التهنئة إلى الرئيس الأوكرانى الجديد بعد ساعات قليلة من انتخابه. منذ الإطاحة ب«مرسى»، كان التناقض سيد الموقف فى سياسات «أوباما» الخارجية فيما يتعلق بمصر، تارة تخرج إدارته ببيان يرفض ما حدث بحجة أن انتخاب «مرسى» كان ديمقراطياً، وتارة أخرى يخرج هو بنفسه أمام العالم كله فى الجمعية العامة للأمم المتحدة يعلن أن «انتخاب مرسى، ديمقراطية لا تشفع له كونه فشل فى الحكم». لم يكد يخلو خطاب واحد أو بيان للإدارة الأمريكية من حالة التناقض شديدة الوضوح، فهو من ناحية يحاول التمسك بآخر أمل من خلال دعمه لنظام «الإخوان»، ومن ناحية أخرى يسعى جاهداً إلى عدم التورط فى أى عمل من شأنه أن يفقده أهم حليف استراتيجى له فى الشرق الأوسط، خاصة بعد أن وجد نفسه معزولاً عن العالم فجأة بسبب تسليم الغرب بالأمر الواقع، والاعتراف به والدعم المطلق من جانب دول الخليج. الدرس الأهم الذى تعلمه أول رئيس ملون فى تاريخ بلاده، هو أنه لم يعد هناك مجال لاستخدام لغة القوة فى العالم.. فشلت أكبر دولة بالعالم فى السيطرة على التوازنات الإقليمية، وبرزت قوى أخرى أخذت فى السيطرة على مناطق نفوذ بلاده.. أوباما أصبح عاجزاً عن التصرف بالسرعة التى تتطلبها وتيرة الأمور فى العالم وأصبح عجزه هذا دليلاً على كونه أسوأ من تحكم فى المصالح الأمريكية، فاضطر أخيراً إلى الاتصال ب«السيسى» لتهنئته بتولى مهام الرئاسة.