إننى عندما أنظر إلى ما حدث فى مصر من تغيير للنظام الحاكم، أنظر إليه من منظور (السنن الإلهية)، وفعاليتها فى هذا الوجود، هذه السنن التى لا تعرف ملة ولا جنساً، فمن أخذ بها أعطته على قدر ما أخذ، سواء كان مسلماً أم كافراً، خيراً كانت أم شراً!! وإذا كان هناك من يظن أن شعوب العالم الثالث، ومنها مصر، عبارة عن «لعبة» فى يد حكامها، أو فى يد قوى أخرى تعمل «داخلياً أو خارجياً»، فتحركها ب«الريموت كنترول»، فمرة تقول «نعم» لشخص فيحكمها، وأخرى تقول له «لا»، ليأتى غيره ليحكمها، فهذه وإن كانت من قواعد اللعبة السياسية (وعلى رأسها الصندوق)، فإنها أولاً وأخيراً «إرادة شعب»، تعمل فى إطار «السنن الإلهية»، ومنها سنّة «وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ»، وإن ظنَّ ما لا علم لهم أنها تعمل ب«الريموت كنترول»!! إننا نعيش فى إطار «سنن» حاكمة لهذا الوجود، نؤمن بثباتها: «فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَحْوِيلاً»، ونرى بأعيننا فعالياتها: «تُؤْتِى الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ، وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ»، ونعمل فى إطارها: «إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ»!! إن ما حدث فى مصر، من تحرك شعبى نحو صعود التيارات الدينية إلى حكم البلاد، ثم تحرك شعبى نحو سقوطها، أرى فيه جانباً لصالح «الإسلام»، وهو إزاحة هذه التيارات الدينية عن المشهد السياسى، ذلك أن تاريخ «الإسلام السياسى» تاريخ «مظلم» - «دموى»، لا علاقة له ب«الإسلام» الذى أمر الله تعالى الناس باتباعه. لقد حكمت هذه «التيارات الدينية» مصر عاماً كاملاً، وقد كانت من قبل ترفع «راية الإسلام»، وتحلم بإعادة الخلافة الإسلامية إلى الأرض، فهل وقف الله تعالى بجانبها وأيَّدها بنصره، وهو القائل: «وَكَانَ حَقَّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ»؟!! إنه يستحيل أن تكون هذه «التيارات الدينية» على الدين الذى أمر الله تعالى باتباعه ثم لا ينصرها، ولا يمكّن لها فى الأرض (ولو مرة واحدة)، عبر قرون مضت، ولا حتى عندما ملكت كل أدوات وآليات النصر، المؤيدة والداعمة لها، من داخل مصر وخارجها!! وعلى الجانب الآخر، فعندما أنظر إلى آليات إزاحة «التيارات الدينية»، وما نتج عنها من سفك للدماء، أرى أن هذه هى طبيعة عمل «السنن الإلهية» فى حياة الناس، سواء كانت إيجابية أم سلبية، فنحن نعيش فى عالم «الأسباب والنتائج»، ثم يوم القيامة: «إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ»!! فهل إذا أعادت هذه «التيارات الدينية» الكرَّة مرة أخرى، وانتصرت فى أى مكان فى العالم، هل هذا معناه أنها على حق؟!! لا، وألف لا، وإنما هى «فتنة» للناس!! إن الموجة الهائلة المدمرة (تسونامى) عندما تفاجئ الناس، وتدمر فى طريقها كل شىء، لا تعرف ظالماً ولا مظلوماً، ولا مؤمناً ولا كافراً، ولن يستطيع أحد أن يقف على «الحكمة الإلهية» وراء هذا التدمير الشامل، إلا أن تكون «آية» يرسلها الله تعالى إلى العالمين، من وقت للآخر، «فتنة» لهم، لعلهم يرجعون!! إن «الآية القرآنية» التى يحملها المسلمون اليوم، هى البرهان الوحيد الذى يملكه المسلمون، الدال على صدق الله تعالى فيما أنزل، وصدق رسوله، عليه السلام، فى ما بلغ، وهذه «الآية» لا تتفاعل مع الواقع المعاصر، إلا عن طريق آليات عمل القلب، هذا القلب الذى أنزل الله تعالى عليه القرآن، وهذه الآليات هى: آليات التفكر والتعقل والتدبر والنظر، فماذا فعلت التيارات الدينية المختلفة نحو تفعيل هذه الآليات فى دعوتها إلى الله، وعلى منابرها الإعلامية المختلفة؟! إن «الإسلام» الذى ينتمى إليه المسلمون يقوم على «العلم»، فماذا فعلت التيارات الدينية المختلفة نحو تقدمها العلمى، والنهوض من تخلف المسلمين الحضارى؟! لم يفعلوا غير التفرق والتخاصم، والبحث عن كافة الوسائل، التى تمكّنهم من تحقيق حلم الخلافة، فلا هم اعتصموا بحبل الله جميعاً، ولا هم استيقظوا من حلم الخلافة!! «وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ»!!