إذا كانت الديمقراطية هى «الصندوق»، والصندوق يمثل «الإرادة الشعبية»، فلماذا يتشنج البعض عندما تغير «الإرادة الشعبية» ما جاء به الصندوق، لأنها لم تعُد تريده؟! لقد أقام الله تعالى هذا الكون على «سنن» وقوانين حاكمة، وخلق الإنسان بإمكانات تمكّنه من تسخير هذه «السنن»، وأنزل الكتاب ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، بأدوات وإمكانات كل عصر، فكتاب الله ليس كتاباً إلهياً فقط، وإنما «آية قرآنية» تتفاعل مع «السنن الإلهية»، فتعطى عطاءاتها، حسب إمكانات كل عصر العلمية والمعرفية والتقنية. إن سنن التغيير قوانين إلهية تعمل فى هذا الكون، ولا علاقة لها بعقائد الناس، ولا بتوجهاتهم الدينية أو السياسية، من أخذ بها أعطته على قدر ما أخذ، وهذه مسألة لا تغيب عن أهل البصيرة، وشواهدها تتحدث عن نفسها. وأذكر، فى هذا السياق، أن هذه «السنن» لم تعرف دعاء المسلمين، ولا صلاتهم.. عندما انتصرت قوات التحالف على الجيش العراقى، وضاع العراق.. فقوات التحالف أخذت بسنن النصر، والمسلمون لم يأخذوا!! ولقد كان من الممكن أن يخرق الله تعالى هذه «السنن» لصالح المسلمين، كما وعد سبحانه فى كثير من الآيات، وتغلب الفئة القليلة الفئة الكثيرة، ولكن هذا الخرق لا يكون إلا إذا كان المسلمون أهلاً لهذا النصر!! نعم، لقد وعد الله تعالى أن ينصر المؤمنين، فقال تعالى: «وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ»، ووعد أن ينجى المؤمنين، فقال تعالى: «كَذَلِكَ حَقّاً عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ».. إذن فلماذا لم يؤيد الله تعالى الساعين إلى إقامة «الخلافة الإسلامية»، وينصرهم على مخالفيهم؟! قالوا: إن الله لا يُسأل عما يفعل.. فنصر الله لا يشترط أن يتحقق فى الجولة الأولى، ولا فى الثانية، ولا فى الثالثة.. وظلوا قرونا ينتظرون نصر الله، إلى يومنا هذا!! فهل ما زال الله تعالى ينتظر الوقت المناسب لتأييد المؤمنين ونصرهم على أعدائهم؟! هل هذا ما عرفناه عن فاعلية أسماء الله الحسنى، وصفاته العليا؟! والغريب، أنك ستجد من يقول: نعم ما زال الله ينتظر!! سبحانه وتعالى عما يقولون عُلواً كبيراً. لقد سارعت التيارات الدينية «المذهبية»، فى مصر، إلى الوصول إلى كرسى الحكم من غير علم ولا دراية بسنن التغيير، وتحركت عاطفة المسلمين الدينية نحوهم، ظناً منهم أنهم يمثلون «الإسلام»، وأن الرايات والشعارات والموضوعات التى كانوا يتحدثون عنها على منابرهم هى الفهم الصحيح للإسلام، فخرجوا يقولون «نعم» حباً فى «الإسلام»، ووصلت التيارات الدينية إلى حكم البلاد، فهل شكروا الله تعالى على هذه الفرصة، التى لم يكن يحلم بها إنس ولا جان؟! لقد وقفوا جميعاً صفاً واحداً فى مواجهة «السنن الإلهية»، وظنوا أن إخراج القتلة من السجون، والتحالف مع المنظمات الإرهابية العالمية، سيحقق لهم التغيير المنشود نحو إقامة «الخلافة الإسلامية»!! إنهم لم يعيدوا ترتيب أوراقهم على أساس سنن التغيير الصحيح، وهو أقل شىء يقدمونه شكراً لله أن مكّنهم من حكم البلاد!! ولكنهم لم يتعلموا الدرس!! لقد تحالفوا على وهم، تشربته قلوبهم، ثمرة «المذهبية» التى ورثوها عن أئمة السلف، وَهّم «الخلافة الإسلامية»، وظهر ذلك جلياً فى مؤتمر دعم الثورة السورية، الذى عقد فى الصالة المغطاة، لقد ظهروا بوجوههم الحقيقية، وأعلنوا أمام العالم أجمع إقامة «الخلافة الإسلامية»، وطالبوا بوجوب إقصاء «الشيعة» من البلاد، وحرضوا على سفك دمائهم، وهو ما حدث فعلاً!! فهل وقفت «السنن الإلهية» معهم لتحقيق حلم «الخلافة الإسلامية»؟! لقد ساروا فى طريق ضد السنن الإلهية، فضلّ سعيهم، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً!! يقول الله تعالى فى سورة الكهف: «قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً»، إن الأخسرين أعمالاً هم الذين ساروا بإرادتهم فى طريق الضلال، وهم يحسبون أنهم يسيرون فى طريق الحق!! أى أن هواهم جعلهم يسيرون عكس «السنن»، أى عكس الاتجاه، فإذا بهم بعد ساعات من السير يجدون رجل المرور يقف فى نهاية الطريق، ويأمرهم بالعودة من حيث جاءوا!! لقد خرج الشعب يقول للتيارات الدينية «كفى»، ولتحالف «الصالة المغطاة»: انخدعنا فيكم، وقال للدستور «نعم»، أليست هذه هى الديمقراطية؟! هل كان خروج الشعب ليقول كلمته «انقلاباً»؟! أليست هذه «إرادة شعبية»؟! أليس هذا هو «الصندوق»؟! لماذا حصرتم القضية فى: «إرادة شعبية»، أم «انقلاب عسكرى»؟! لماذا لا تكون القضية هى ما رأيناه، ورآه العالم، على أرض الواقع: «إرادة شعبية» و«صندوق»؟! الحقيقة، أن قضية وصف «الإرادة الشعبية» بأنها «انقلاب عسكرى» مرجعها إلى «نظرية المؤامرة»، التى ظل المسلمون يرفعون رايتها قروناً من الزمان، يخفون وراءها الأسباب الحقيقية لأزمتهم الكبرى، وهى التقليد الأعمى لأئمة مذاهبهم، الذين إذا قالوا سمعوا لهم، وإذا أمروهم أطاعوا، من غير تفكر ولا تعقل ولا تدبر!! إذن فتعالوا نسأل: هل أعداء الإسلام هم الذين «تآمروا» على الصحابة ليقاتل بعضهم بعضاً فى أحداث «الفتن الكبرى»!! وهل هم الذين «تآمروا» على الخلافة الأموية فحوّلوها إلى «ملك عضود» بعد أن كانت «رشيدة»!! وهل هم الذين «تآمروا» على المسلمين وفرقوهم إلى فرق ومذاهب متصارعة!! وهل هم الذين أنطقوا مشايخ تحالف «الصالة المغطاة» بمصائب، ما كانت لتخرج، مطلقاً، من أهل علم بالكتاب والسنة!! ما هذا التغييب العقلى؟!! لذلك يجب أن يكون التغيير جذرياً، لا مصالحة، ولا مداهنة، ولا تقية، فإذا لم يتعلم الشعب الدرس، فإن سنن التغيير «السلبى» ستعمل فى حياته، وسيخسر ثورته كلها!! فالله تعالى قال فى آية سورة الكهف: «قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً»، ولم يقل: «الأخسرين عملاً»، لأن هؤلاء لم يخسروا فى عمل معين، بل إن هواهم، وعدم أخذهم بالسنن، جعلهم يخسرون فى جميع الأعمال التى اشتركوا فيها، أى خسروا كل شىء، ويقول الله تعالى: «ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ». فلا تحزن لعدم قدرتك على التغيير، واحزن عندما تفقد «إرادة» التغيير.