عبارة لافتة تضمّنتها برقية تهنئة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز إلى المشير «السيسى» بمناسبة فوزه برئاسة مصر. العبارة تقول: «ولنحذر جميعاً بطانة السوء، فإنها تجمّل وجه الظلم القبيح، غير آبهة إلا بمصالحها الخاصة.. هؤلاء هم أعوان الشيطان وجنده فى الأرض». بعد هذه البرقية بساعات ألقى المستشار «عدلى منصور» خطاباً هز عقل ووجدان المصريين، وجَّه فيه عدداً من النصائح إلى «السيسى»، كان على رأسها ضرورة أن يُحسن اختيار معاونيه الذين سيدلونه على المشكلات التى تواجهها البلاد والواقع الدولى الذى لا يعرف سوى المصالح، وحذّره من جماعات المصالح الذين يُعلون مصالحهم على مصالح العامة. هل المسألة توارد خواطر بين العاهل السعودى والمستشار عدلى منصور أن يلتقى الاثنان فى الحديث عن موضوع البطانة المحيطة بالرئيس، ويحذره كلاهما من العواقب التى يمكن أن تترتب على الاختيار السيئ للفريق المحيط به، خصوصاً أن أصحاب المصالح يريدون المتاجرة بقربهم منه من أجل تمرير مصالحهم الخاصة، حتى ولو كانت على حساب الوطن والمواطن. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك، ونافخ الكير فحامل المسك: إما أن يُحْذِيَكَ، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير: إما أن يحرقَ ثيابكَ، وإما أن تجدَ منه ريحاً خبيثة». المصريون يستوعبون جيداً القاعدة النبوية التى تقول «المرء على دين خليله»، وهم يكوّنون انطباعهم عن الحاكم من قراءة وجوه وتاريخ الشخصيات المحيطة به، فالإنسان يميل إلى اختيار من هم على شاكلته، وكل مواطن مصرى يحفظ جيداً المثل الذى يقول: «الطيور على أشكالها تقع». على المشير «السيسى» أن يختار معاونيه وفريقه بمنتهى الدقة والحرص، لأن أى انطباع سلبى سيكوّنه المصريون حول شخص معين قام باختياره ووضعه فى أحد مواضع الصدارة سيكون له مردود أبعد ما يكون عن الإيجابية على صورة المشير لديهم. والانطباع الأول هو الأكثر دواماً والأشد رسوخاً فى عقل الناس، وأية محاولات لتغييره فيما بعد بتصحيح الاختيارات المعوجّة تواجَه بصعوبات كبيرة. تلاقى الملك والمستشار فى هذه النصيحة يؤشر إلى قلق من نوع ما يساورهما حول الجماعات التى تجتهد فى التحلق والتحليق على الرئيس الجديد، وربما -أقول ربما- كان لديهما خشية من أن يتورط المشير فى اختيار شخصيات قد تحوز ثقته على المستوى الشخصى، لكنها لا تتمتع بأية ثقة لدى قطاعات من المصريين، والرجلان الحكيمان يعلمان أن إرضاء الشعب أصبح أساس النجاح فى حكم مصر، وأن مراضاة أهل الحوزة العشائرية أو الحزبية أو المؤسسية يفتح باباً واسعاً للغضب، خصوصاً إذا كان لدى الشعب انطباع بأنهم من «نافخى الكير». واجب «السيسى» أن يبدد القلق الذى دفع الرجلين إلى توجيه هذه النصيحة إليه، ناهيك عن توجس بعض المصريين من العودة إلى «قديمه»! عندما يلتقى خادم الحرمين الشريفين وقاضٍ جليل مثل المستشار عدلى منصور فى نصيحة «تبقى النصيحة بجمل»!