من وحى القرآن الكريم وفى ظلال سيرة الرسول وصحيح سنته، أتخيل لو أنه (صلى الله عليه وسلم) يوصينا كيف نتعامل مع أزمة الفيلم المسىء إليه، أو أنه جاء لأحد من عباد الله الصالحين فى المنام فسأله باسمنا جميعا عما جرى وأجاب النبى بما يجب أن نفعله. لو قال له: صوروك فى هذا الفيلم إرهابيا وقاطع طريق. سيبتسم ويقول له: صورنى من لم يؤمنوا بى فى بداية دعوتى بأننى «شاعر» وأننى «مجنون» وذكر الله هذا فى القرآن الكريم، حتى يعظكم به، ويشهدكم على أننى رددت على هذه الإساءة بالإحسان، وعلى الزعم بالحجة والبرهان، وكنت على «خلق عظيم». وقالوا عنى أننى «طالب ملك» وكان أبوسفيان يقول لعمى «إن ملك ابن أخيك» فكنت أقول لهم «إنها النبوة والرسالة»، وحين ساومونى قلت لهم: «لو وضعوا الشمس فى يمينى والقمر فى يسارى على أن أترك هذا الأمر ما تركته، أو أهلك دونه»، وحين قدر الله لى النصر عليهم فيما بعد قلت لهم: «اذهبوا فأنتم الطلقاء». فقال له الرجل: لكنهم بالغوا فى الإساءة والتجريح يا رسول الله، فقال الرسول: ألم تقرأوا فى سيرتى عن جارى اليهودى الذى كان يرمى القاذورات أمام دارى كل صباح، وكنت أجمعها راضيا مبتسما فلما غاب يومين ولم يفعل هذه الفعلة سألت عنه، فقيل لى إنه مريض، فذهبت لأعوده، فآمن بدعوتى. ولا بد أنكم قرأتم عن وقوفى لجنازة يهودى مرت من أمامى، وحين استفهم منى أصحابى قلت لهم: أليست نفسا. ألم تقرأوا فى القرآن «ولا تقتلوا النفس التى حرم الله إلا بالحق».. فلما إذن تقتلون أربع أنفس. ألم تقرأوا «إن الله يدافع عن الذين آمنوا»، ولماذا لم تعتبروا من أن كل صورهم وأفلامهم لم تمنع انتشار دعوتى فى عقر دارهم، فلمَ تجزعون وتغضبون، دون أن تتوقفوا عند قول الله: «والكاظمين الغيظ» وعند قوله سبحانه أيضا «ادفع بالتى هى أحسن، فإذا الذى بينك وبينه عدواة كأنه ولى حميم»، وإذا غضبتم فى الحق من أولئك الذين أساءوا لنبيكم فما ذنب من لم يسئ إليه وإليكم، ألم تقرأوا قول الله تعالى: «ولا تزر وازرة وزر أخرى». استيقظ الرجل منشرح الصدر، وعرف ما يجب أن يقوله للناس، ويفعله، فراح يتساءل: أين أفلامنا نحن التى تدافع عن ديننا؟ أين الكتب والترجمات؟ ولما ينفق أهل النفط على ملذات الدنيا أضعاف مضاعفة لما ينفقونه على الدعوة؟ وهل نحن بحالنا هذه حيث التردى الاقتصادى والتراجع الأخلاقى وهجران العلم مَن سيباهى بنا الرسول يوم القيامة أم أننا كغثاء السيل تتداعى علينا الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها؟ وهل يصلح لنا أن نترك ما دسّه اليهود والمجوس وأهل الشرك قديما فى بعض كتب تراثنا قائما، ومنه ما يسىء إلى رسولنا الكريم، ونردده كالببغاوات أم يجب أن نراجعه ونغربله؟ وبدا الرجل مطمئنا إلى أن هذا الفيلم الحقير فخ لنا، يريد أن يعيد صورتنا المشوهة إلى العالم بعد أن صححتها ثورتنا التى هتفت «سلمية.. سلمية» وهى مسألة أقلقت وأزعجت كل الذين صوروا المسلمين على أنهم جميعا إرهابيون قتلة، وأنفقوا على دعوتهم الرخيصة تلك مئات المليارات منذ بدء الاستشراق وحتى ظهور تنظيم القاعدة.