كلنا تابعنا بفرحة وإعجاب التدفق غير العادى للمصريين فى الخارج للتصويت على انتخابات الرئاسة المقبلة. مصريون ومصريات وأطفال فى طوابير تجاوزت الكيلومترات فى معظم العواصم العربية، خاصة دول الخليج. والمئات سافروا فى أمريكا الشمالية بسيارات أو أوتوبيسات لساعات طويلة، لأقرب قنصلية للتصويت. وأنا لا يساورنى أى شك أن الأعداد هنا فى مصر، من شمالها لجنوبها من شرقها لغربها، سيتكلم العالم كله عن دعم الشعب المصرى لخارطة الطريق، لشهور.. وسيسجلها التاريخ، شاء من شاء، وأبى من أبى. ولكن.. هل استرعى انتباه أى شخص عن نوعية المصريين الذين صوتوا فى الخارج، أنهم جميعهم حاملو شهادات عليا! حتى أمهاتهم وآبائهم.. كبار السن والمقام، تشعر بأنهم متعلمون أما أوروبا، مثل إيطاليا، وقبرص، واليونان، اختفت طوابير المصريين لأنهم للأسف مهاجرون غير شرعيين غالباً وغير مسجلين أو جوازات سفر بتأشيرة مزورة ومن استخرج أو (ضرب له) التأشيرة، قال له: إوعى تهوب ناحية السفارة حتى لو بتموت! هل لفت انتباهكم أن كل المصريين هناك فى الخارج أسر مكونة من 6 أفراد على أقصى تقدير، وأكاد أجزم أن كلهم مضوا فى الكشوف الانتخابية ولا يوجد أحد استخدم ختماً أو بصم. انتظروا معى وانتبهوا للصور التى ستأتينا من محافظات الجمهورية، وحضراتكم تتابعون حاولوا أن تسألوا أنفسكم: ده بيعرف يقرا ويكتب ولا لأ؟ دى بتفك الخط ولا لأ؟ سنجد طوابير محافظات مصر، بل وأطراف القاهرة والجيزة والقليوبية ما يعرف بالقاهرة الكبرى، ممتلئة ملء الأعين ولكن للأسف.. بأميين. الاستفتاء الأخير ساهمت به المرأة المصرية بنسبة 56٪، فى أكبر مشاركة لها منذ ثورة 1919. ولكن يؤلمنى أن نسبة الأمية بين صفوفها كانت 68٪. والرجل ليس بأفضل حالٍ، فنسبة الأمية بين صفوفه كانت 48٪ وطبعاً الأمية سبة مكتسبة للمجتمع من الطفولة. يعنى الأمى إما أنه لم يذهب إلى المدرسة أو ترك الدراسة مبكراً (فنسى اللى اتعلمه) فكلنا ولدنا سواء فى هذا المجال، فهو ليس مرضاً وراثياً ولكن ببساطة من عنده من 2-4 أطفال وجدت الدراسات أنه غالباً يعلمهم جميعاً، بعكس من عنده 7 أطفال فما أكثر، لا يعلم أحداً منهم، وطبعاً مستواه الاقتصادى متدنٍ أكثر، وعادة العائل تغير من الأب للأم فى منتصف مشوار الأطفال. عائلات بائسة، ولكنها ما زالت مقتنعة بأن العيال عزوة وإن تربوا جهلة، فقراء. اللطيف بقى: البؤساء هم من يحددون المقبل، من بؤسهم وليس من عقلهم. وإنت وبختك: إذا أتى لهذا البائس من أقنعه بأن الله مع هذا، وأن طريق الجنة يقوده ذلك.. وهذا مقعد فى الجنة، والآخر فى النار.. فيخشى الله ويطيعه. أو تأتى المقهورة صحياً ونفسياً، وعليها حمل كبير ببضع مواد تموينية من زيت وسكر وكروت شحن محمول وكوبونات تخفيضات لجهاز العرائس.. فتقبل يده وتختاره. المختصر المفيد: أن أكثر من إجمالى 47٫6٪ من المحددين للنتيجة.. لا يقرأ ولا يكتب. ناخبون مسيرون مرة بترويع من غيب، ومرة بتأمين زائف من جوع المرة التالية، يقفون ليحددوا مصير وطن بحجم 89 مليون نسمة داخل أراضيه، ومصر العظيمة.. ماشية وراءهم. والإعلام (مصدع دماغنا ب: أين البرنامج الانتخابى؟ الخطة الزمنية؟ ال.. ال.. وهم ولا هم هنا.. خلااااص حددوا) لأنهم ببساطة تحركهم العاطفة أو الحاجة. مرة داعية أو شيخ لا ينتمى للأزهر يخوفهم، والأخرى رمز يحبونه. سيظهر من يقول التعليم مش شرط للناخب الأوروبى أو الأمريكى. ببساطة فى دول مؤسساتها قوية والديمقراطية عندهم أصيلة، لا يذهب لصناديق الاقتراع أكثر من 12٪ من إجمالى من لهم حق التصويت. رئيس وزراء بريطانيا العظمى الأخير ديفيد كاميرون نسبة التصويت كانت 7٪ من إجمالى من لهم حق التصويت. هل شاهدنا لهم طوابير لنحكم إن كانوا أميين أم متعلمين (يعنى: البلاد القوية، البلد ماشية حلو وزى الفل، إيه اللى ينزلنى الانتخابات وأختار.. يختار اللى فاهم، أنا فى شغلى وحالى ومشغول باللى يهمنى وضرايبى بأدفعها وخدماتى بألاقيها). نحن نبدأ مشواراً جديداً.. لن نبدأه بنفس المعتقدات القديمة. لن يشد عودك إلا عقلك وعملك، لن يسند ظهرك ولد جاهل قد يهرب منك فى أى لحظة، لأنك لم تخف على مستقبله، بل استغللته. لن تساعدك ابنة، ألقيت بها فى بيت تخدم به وهى 14 سنة، خادمة أو زوجة. فاقد الشىء لا يعطيه.. فمن ضحى بعقل، وفكر ابنه وتعليمه وألقى به فى الحياة مبكراً بلا هدف إلا لقمة العيش، لن يعود لرد الجميل لوالد أهمله أو استغله. لن تجد ابنة تبر والديها، وهى من سن الرابعة عشرة تتحمل مسئولية أسرة، أو تخدم فى المنازل، أو تتجول بين السيارات لتبيع الفل الذابل والياسمين الذى خاطته لتأكل منه لا لتشمه لنراجع أنفسنا فى معتقدات خاطئة عند هذه الأمة، نعم نحن أمة وليس مجرد شعب.. والمأساة أن حوالى نصفنا جاهل يعتمد على النصف المتعلم، وهذا ليس بحل. لنرفع من شأن الضعيف، بتعليمه، وزيادة وعيه، والرفع من مستواه المعيشى، و(العيشة مش مجرد أكل وشرب وهدمة تكسينا ودوا يشفينا وسقف يغطينا) هذا كلام أغانٍ، وشعارات وليس أسلوب تنمية بشرية ونهوض بمجتمع. لا توجد أى دراسة أو برنامج تنموى فى العالم يتجاهل درجة وعى الشعوب وتعليمها. إذا أصبحت «تحيا مصر».. فلتحيا عقولها معها واذا استمر «نكمل حلمنا».. فيا ريت نفوق لعقولها وللحديث بقية.