يصطف العشرات من المارة فى طابور طويل، بشكل إجبارى، يتحرك الواحد منهم خلف الآخر بخطوات بطيئة، فى اتجاه مدخل محطة مترو أنفاق الدمرداش، فى المقابل طابور آخر أكثر بطئاً وعشوائية، يظهر بمجرد توقف المترو داخل المحطة، حيث يهبط منه العشرات من رواد المكان وقاطنيه، ليتحرك المقبلون والخارجون من المترو فى طابورين متوازيين يكاد يلامس كل منهما الآخر، فى مساحة لا تتجاوز 60 سنتيمتراً، بينما يسيطر الباعة الجائلون على باقى ممر كوبرى المشاة، الذى لا تتجاوز مساحته المترين، بينما يفترض أنه مخصص لعبور الأهالى من وإلى المحطة والمنطقة المحيطة بالنفق بعيداً عن طريق السيارات وقضبان السكة الحديد. الباعة الجائلون هنا هم أصحاب الغلبة، يستقطعون المساحة الأكبر من كوبرى المشاة بوضع اليد، اختاروا أماكنهم بأنفسهم وحددوا مساحتها كما يريدون، غير مهتمين بتقليص مساحة الكوبرى الضيقة أمام المارة، دون أن يعترضهم أحد من مسئولى الحى أو الأجهزة الأمنية، حتى المارة أنفسهم تأقلموا على الوضع القائم «بسرعة شوية يا جماعة» كلمات يصرخ بها أحد المارة فى المحتشدين فوق الكوبرى، طالباً منهم إسراع الخطى، متجاهلاً وجود الباعة الجائلين وبضاعتهم التى تحتل المساحة الأكبر من الكوبرى. محمود السيد، حاصل على بكالوريوس تجارة، انضم إلى الباعة الجائلين بعد فشله فى الحصول على وظيفة يقتات منها، يقبع الشاب ذو ال26 عاماً بجوار بضاعته، التى تتنوع ما بين لعب الأطفال وعبوات الطعام بلاستيكية الصنع، يرى نفسه ضحية للحكومات المتتالية، التى لم توفر له عملاً يتناسب مع مؤهله الجامعى، حتى لو بإحدى شركات القطاع الخاص، وتحقق له عائداً مادياً يغنيه عن وقفة الشارع، قائلاً: «البديل الوحيد للوقفة هنا والبيع فى الشارع أكون حرامى»، مرجعاً السبب إلى مسئوليته عن رعاية أسرته وشقيقاته البنات «اللى على وش جواز»، مختتماً «قبل ما تكلمنى عن حق الناس شوف حقى أنا فين». يربط كوبرى الدمرداش المخصص لعبور الأفراد بين اتجاهى شارع لطفى السيد مروراً أعلى الخط الأول لمترو الأنفاق «المرج - حلوان» وصولاً إلى أحد الشوارع الجانبية المتفرعة من شارع مصر والسودان، ويشهد أوقات ذروة مزعجة، مصطفى عبدالله، أحد العاملين فى مستشفى الدمرداش، يعتبر موعد دخول وخروج العاملين بمستشفى الدمرداش والموظفين العاملين فى محيط المنطقة «أزمة لا تطاق». يتناثر على درجات السلم وممرات الكوبرى المتفرعة فى اتجاه المترو، بعض المتسولين من الرجال والنساء، بملابس رثة ووجوه يكسوها بقايا غبار متطاير، أحدهم يسند جسده إلى جدار معدنى لا يتجاوز ارتفاعه المتر ونصف المتر، يمد يده اليمنى إلى المارة، متمتماً بكلمات بعضها يشكو معاناة وبعضها دعاء للمارة، فى محاولة لكسب تعاطفهم «ربنا يكرمك ويسترها معاك»، فيستجيب له بعضهم بجنيهات زهيدة. مع ساعات الغروب، تتوارى الشمس خلف أستارها الرمادية، ويظهر ضوء لمبات الكهرباء القادم من وصلات كهربائية عشوائية، تبدأ من فتحات أعمدة الإنارة وتصل إلى «فرشة» الباعة الجائلين، حيث يحرص كل بائع على وضع لمبة أو اثنتين فوق بضاعته، تعمل على مدار الساعة، ولا يظهر ضوؤها إلا مع سواد الليل، وأحياناً ما تتسبب هذه الوصلات العشوائية فى ماس كهربائى، وفقاً لرواية محمود طه، أحد أفراد الأمن العامين بمحطة المترو، مضيفاً أن هذه الوصلات أحياناً ما تتسبب فى حدوث «قفلة» ينتج عنها ظلام ممرات الكوبرى على مدار ساعات الليل.