تتزاحم ساحة مسجد السيدة زينب عن آخرها، فلا مكان لموضع قدم أمام المدخل الرئيسى، الذى افترشه الزائرون، من رجال ونساء وأطفال وشيوخ وشباب. هنا حلقة ذكر، وهناك مجموعة تنشد فى حب آل البيت، وأخرى تتجاذب أطراف الحديث همساً، يتوقف الجميع للحظات من الوقت استجابة لدعوة ذلك الرجل الخمسينى الذى يتنقل بينهم فى خفة وكأنه ابن 20 عاماً، إنه «السيد مصباح»، صاحب ال52 عاماً، الذى جاء من المعادى إلى السيدة زينب تاركاً عمله ليجنّد نفسه خادماً لزائرى آل البيت وتقديم الطعام للمحتاجين. «مصباح» محامٍ، وهو أب ل3 بنات، ويقول «أنا موجود هنا طول السنة مش وقت المولد وبس، وأسعد أوقات حياتى هنا فى خدمة الناس الغلابة والسعادة اللى باشوفها وأنا باقدم لهم الأكل والشرب». ويختفى «السيد» لدقائق لجمع الأطباق الفارغة من الجالسين فى ساحة المسجد، يبادلهم أطراف الحديث وعلى وجهه الابتسامة، يبحث عن مسكين هنا أو هناك ليعطيه آخر طبق تبقى معه من الأرز باللبن، يوقفه طفل صغير يلهو بجانب أمه التى افترشت الأرض، فيعرض عليه الطبق الذى معه، فيمد الطفل يده فى سعادة وكأنه يقبض على لعبته المفضلة. يواصل «السيد» حديثه بعدما انتهى من تجميع الأطباق وتوزيع المياه قائلاً: «عملى كمحامٍ وترددى المستمر على المحاكم جعلنى أرى مشهداً متكرراً كل يوم، أبطاله ظالم ومظلوم، ذلك المشهد بتنوّع أبطاله لم يفارق مخيلتى، مما خلق بداخلى إصراراً على إسعاد البسطاء.