فى ضربة حرة مباشرة طلب المشير عبدالفتاح السيسى من رجال الأعمال تقديم 100 مليار جنيه لدعم اقتصاد مصر، وقد أثار هذا الطلب جدلاً كبيراً فى أوساط رجال الأعمال، وقد سبق للمشير أن قال إنه سيطلب من هذا الضلع من أضلاع الاقتصاد المصرى المساهمة فى حل مشكلات الاقتصاد المصرى من خلال دعمه مالياً، وإنه سوف يرتكن إلى «المحبة» أو «القانون». جميل أن يفكر «المشير» فى أن يأخذ من الأغنياء ليمنح الفقراء، وجميل أن يتطوّع الأغنياء بالتبرّع لرأب الصدع الحادث فى حائط الاقتصاد المصرى نتيجة عجز الحكومة عن الوفاء باحتياجات الطبقات الفقيرة، لكن هل يمكن أن تسير الأمور هكذا؟! لا أظن.. وأقول لك لماذا؟ يرى البعض أن طلب «المشير» مبرر، انطلاقاً من أن جانباً كبيراً من ثروة بعض رجال الأعمال جاء بتسهيلات من نظام حكم «مبارك» وتوزيع ممنهج لأراضى الدولة وثرواتها عليهم، وهو مبرر لا تعوزه الوجاهة، لكنه فى الوقت نفسه لا يخلو من العجب. فإذا كان أصحاب هذا المبرر يرون أن بعض رجال الأعمال أثروا بغير وجه حق وبطرق غير قانونية، فكيف يتقبلون فكرة أن يتبرّعوا بجزء من مالهم لصالح الاقتصاد المصرى ليغسلوا باقى أموالهم لتصبح «حلالاً بلالاً» من الناحية القانونية؟! إن مثل هؤلاء كمثل إنسان عصى ربه طيلة حياته، ثم تبرّع وهو على وشك الوفاة ب«كولدير مية ساقعة» لأحد المساجد، ثم ذهب إلى ربه -وعلمه عنده- مرتكناً إلى الحسنات التى سوف يحصدها من كل فم سوف يرشف ماءً بارداً من صدقته الجارية! الأخلاق تقول إن «من تطوع خيراً فهو خير له»، والمنطق يقول إن الحساب لا بد أن يستند إلى ميزان لا يختل هو ميزان القانون. وقد ذكرت لك أن «السيسى» سوف يرتكن إلى المحبة أو القانون فى دعوته رجال الأعمال إلى التبرّع من أجل إقالة الاقتصاد المصرى من عثرته. القانون بالتأكيد هو الأداة الأكثر منطقية، إذا كان يرى أن هؤلاء أثروا اعتماداً على النهب الممنهج لخيرات هذا البلد، لكن الرجل سوف يواجه هنا بمشكلة، فكما نعلم جميعاً أن عدداً من رجال أعمال نظام «مبارك» يحاكمون حالياً فى قضايا فساد مالى واحتكارات وخلافه. ولكى تدرك حجم الثروات التى كوّنها هؤلاء يكفى أن أذكّرك بحكم محكمة جنايات القاهرة (أكتوبر 2012) بتغريم «أحمد عز»، أمين التنظيم بالحزب الوطنى المنحل، 19 مليار جنيه فى قضايا فساد وغسل أموال!، وحتى الآن لم تحصّل الدولة جنيهاً واحداً من الثروات التى حصدها هؤلاء. هل تتخيل فى ظل هذه الأوضاع أن المال الذى جمعه البعض بغير وجه حق يمكن أن يُسترد كله أو جله أو بعضه عبر القانون؟! أتصور أن سعى «المشير» مشكور فى هذا الاتجاه وأتمنى لو استطاع أن يقنع أصحاب المال بالتبرع ببعض منه ب«المحبة» أو بأى طريق آخر يرتضيه، لكننى فقط أحب أن أذكره أن دولة رجال الأعمال التى تأسست فى عصر «مبارك» كان أكبر رجل أعمال فيها هو «مبارك» وآله!