عندما تم غلق باب تسجيل الوافدين الموجودين فى غير محل إقامتهم بمكاتب الشهر العقارى والتوثيق يوم السبت الماضى، كان عدد من قاموا بالتسجيل 57 ألف وافد، رغم أن تعداد المصريين الذين تركوا محل إقامتهم وتغربوا بين محافظات مصر المختلفة بحثاً عن عمل أو أمل يُعد بالملايين. وللتذكرة نقول إن عدد الوافدين الذين صوتوا فى الاستفتاء على الدستور (يناير 2014) بلغ عددهم 424 ألفاً. ولو فرضنا أن ال57 ألفاً سيشاركون جميعهم فى الانتخابات الرئاسية المقبلة، وحسبنا نسبتهم إلى من شاركوا فى الاستفتاء فسنجد أنهم يشكلون نسبة (13.4%) فقط. واليوم -كما تعلم- يبدأ تصويت المصريين بالخارج الذى سيتواصل لمدة أربعة أيام، وهناك حالة من القلق أيضاً من نسبة المشاركة المتوقعة فيه. وقد حرص المرشحان المتنافسان على توجيه كلمة إلى هذا القطاع المهم من الناخبين يدعوانهم فيها للمشاركة فى الانتخابات. هاتان الرسالتان تؤشران أيضاً إلى أن حالة القلق وصلت إلى المرشحين، فلن يكون من الصحى على وجه الإطلاق أن تنخفض نسب مشاركة المصريين فى الخارج فى التصويت. ولا خلاف على أن ارتفاع معدلات المقاطعة سوف يضر بكلا المرشحين، بالإضافة إلى إضرارها بالمشهد السياسى ككل. المقاطعة أحياناً ما تعبر عن موقف سياسى جوهره رفض المتنافسين فى الانتخابات أو رفض المشهد السياسى برمته، لكنها قد تعكس، فى أحوال أخرى، رؤية تحكم تفكير الناخب فى مسارات المنافسة. فبعض أنصار «حمدين» أحياناً ما يعتريهم اليأس من فوز مرشحهم فى الانتخابات، وبعض أنصار المشير «السيسى» كثيراً ما تحركهم «الثقة». ويتعامل الاثنان مع مسألة «عدم المشاركة» بمنطق «السيسى فايز فايز ولا داعى للذهاب». هكذا يقول بعض مناصرى «حمدين» وبعض مناصرى «السيسى»، والنتيجة فى الحالتين عدم المشاركة. وفى تقديرى أن هذا الموقف يحتاج نوعاً من المراجعة. فمن يناصر حمدين عليه أن ينزل لأن الفرصة سوف تظل قائمة لآخر لحظة، ربما لاحظ هؤلاء أن شعبية «السيسى» -طبقاً لنتائج بعض استطلاعات الرأى- آخذة فى التآكل، الأمر الذى يمنح «حمدين» فرصاً أكبر للتمدد، وحتى لو كانت شعبية السيسى غالبة، فمن المهم أن يحصد حمدين أعلى نسبة ممكنة من الأصوات حتى يفهم «السيسى» أنه فاز على «حرف». وبالنسبة لأنصار «السيسى» عليهم أن يفهموا أن الثقة المفرطة تؤدى -فى أحوال- إلى خسائر مباشرة وغير مباشرة. الأخطر فى الأمر أن انخفاض نسبة المشاركة فى الانتخابات الرئاسية سوف يفتح باباً واسعاً للتشكيك فى مجمل المشهد السياسى الذى نعيشه بعد الموجة الثالثة للثورة فى 30 يونيو، وسوف يفيد أكثر ما يفيد جماعة «الإخوان»، وهو الأمر الذى دفع بعض مناصريها إلى إطلاق فتاوى ل«تحريم المشاركة» وقابلتها المؤسسات الدينية بفتاوى معاكسة تحلل «المشاركة» فى مشهد شديد الهزلية! أضف إلى ذلك أن انخفاض معدلات المشاركة فى الانتخابات الرئاسية سيصب فى اتجاه دعم النظرة السلبية التى تتبناها بعض الدول الخارجية إزاء المشهد فى مصر. وقد لا أكون مبالغاً إذا قلت إن ارتفاع نسبة المقاطعين للانتخابات سيجعلنا «فُرجة» أمام العالم!