أعرف دائماً تفكير أى فرد أو مؤسسة أو نظام أو دولة من رؤيتها لنفسها، ومعرفة الفرد أو النظام للتأثير على المقربين أو المحيطين أو حتى الأشخاص الذين لا يعترف بهم شخصياً. وأدرك أن الكيان هو الذى يصنع مكانته، وأعلم جيداً أن هناك كيانات كبيرة وضعت نفسها فى أماكن مميزة عبر التاريخ، من خلال وجودها وآرائها وأفكارها، وأعلم أيضاً أن هناك كيانات كبيرة تدهورت وتراجعت، بل وأغلقت على نفسها، حتى أصبحت لا تؤثر فى أحد، بل عجزت حتى فى الدفاع عن نفسها وأصبحت تتأثر بالآخرين بدلاً من أن تؤثر فيهم. وكم شعرت بالفخر عندما قامت رئيسة البرازيل «ديلما روسيف» بدعوة فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، لإلقاء كلمة عن السلام والتسامح فى افتتاحية كأس العالم بالبرازيل يوم 12 يونيو، وتأكدت أن مونديال البرازيل وراءه إدارة تنظيمية كبيرة ليست فى منظومة الكرة واستثماراتها فقط بل فى رؤيتها للرياضة والثقافة، ودعوتها لشيخ الأزهر ممثلاً عن الدين الإسلامى وكذلك ممثلين عن الديانتين المسيحية واليهودية. وأدركت رؤية كيان البرازيل فى استضافة كأس العالم 2014 والتنظيم الجيد والأخلاقى قبل هذه البطولة الكبرى، وأيقنت أن الأزهر الشريف له مكانة كبيرة، بل أكبر مما اعتقدت، فدعوة البرازيل للشيخ الطيب تؤكد على هذه المكانة، وعندما فكرت فى هذه الدعوة وجدت أنها فرصة حقيقية وذهبية قدمتها البرازيل للأزهر لاستعادة مكانته الحقيقية فى هذه الاحتفالية العالمية التى تجمع خلالها العالم على مساحة لا تتخطى ملعب أخضر، يجذب العالم ويوحده على التذوق والأخلاق والفنيات والروح الرياضية، وهى فرصة لن تتكرر فى هذا التوقيت الصعب، بعد أن امتزجت صورة الإسلام الحديث أمام أعين العالم بالإرهاب، دعوة البرازيل جاءت لتؤكد على إدراك العالم لصورة الإسلام الصحيح، ومع الأسف خرج علينا الأزهر الشريف ليؤكد أن فضيلة الشيخ الطيب ينوى الاعتذار عن عدم قبول الدعوة بل أنه يفكر فى إلقاء كلمة من داخل الأزهر فى هذا اليوم تعبر عن التسامح وقيم الإسلام الصحيح المعتدل، أو إرسال كلمة مصورة وبثها فى افتتاح البطولة، وهنا أدرك تماماً أن الأزهر لا يعى قدر نفسه وأن دعوة البرازيل للشيخ الطيب ليست دعوة شخصية وليس من حقه رفضها أو الاعتذار عنها تحت أى سبب لأن الطيب لا يُمثل نفسه ولكنه يمثل هذا الكيان الكبير بل وستكون كلمته أمام العالم فى هذا اليوم بقوة تأثير لا يتخيلها الأزهر ورجاله الذين لا يقدرون هذه القيمة الكبيرة للرياضة ولا الالتفاف الجماهيرى حولها، فإذا عجز العالم أجمع عن التوحد على رأى واحد نجحت ملاعب كأس العالم فى تجميع الكل على رأى واحد فى التشجيع وفى الأخلاق وفى الرؤية دون النظر إلى ديانة أو جنسية ولا أى مؤهل ولكنها الفرصة. أدعوك فضيلة الشيخ الطيب، شيخ الأزهر الجليل والعالم الكبير، الذى أكن له كل احترام وتقدير، إلى أن تخيب ظنى وأن تدرك أن حضورك كأس العالم وإلقاء كلمة عن الإسلام الصحيح ستغير المفاهيم الخاطئة لدى جموع العالم وستغنيك عن المؤتمرات والندوات والبعثات. وإن قررت ألا تذهب فهذه حرية شخصية، ولكن عليك أن ترسل مندوباً عن الأزهر الشريف كى يُمثل الإسلام أمام العالم، فى كأس العالم الذى يتابعه مئات الملايين، عليك أيها الإمام الطيب أن تدرك أن وجودك فى هذا المكان يعنى أن الآخر ما زال ينظر إلينا على أننا دين التسامح الذى لم ولن يتأثر ببعض الآراء المتشددة، فكيف نضيع الفرصة على أنفسنا، كيف نأبى إرسال رسالة إلى العالم بقيمة الرياضية والأخلاق، وكيف يغيب الأزهر والإسلام عن المونديال فى ظل حضور الأديان. أيها الطيب الجليل، اذهب إلى كأس العالم، فإذا غابت الكرة المصرية عن المونديال فرسالة الأزهر يجب أن تحضر لأنها رسالته ومكانته التى اختارها العالم له ورفضها من يتحدث باسمه.