أكد عدد من النقاد والمبدعين أن الانتخابات الرئاسية كانت -وما زالت - خطاً أحمر، أو منطقة محظورة فى السينما المصرية. وأشاروا إلى أن الفيلم الوحيد الذى تناول الانتخابات الرئاسية هو «ظاظا رئيس جمهورية» تأليف طارق عبدالجليل وإخراج على عبدالخالق وبطولة هانى رمزى، وأن معظم الأفلام ركزت على تناول الانتخابات البرلمانية فقط، دون أن يجرؤ أحد منها على الاقتراب من منطقة «الرئاسة»، التى يبدو أنها كانت «ممنوعة» على الفنانين والمبدعين. «الوطن» تفتح فى هذا التحقيق ملف الانتخابات فى السينما، ولماذا لم يتم تناول الانتخابات الرئاسية بالشكل الكافى، ومستقبل هذه الانتخابات فى الأفلام الجديدة التى يتم تقديمها فى الفترة المقبلة، ودور جهاز الرقابة على المصنفات الفنية فى الحد من هذه النوعية من الأعمال لأسباب سياسية. فى البداية تحدث المؤرخ السينمائى محمود قاسم قائلاً: «الانتخابات الرئاسية لم يتم تناولها فى السينما على الإطلاق سوى فى حالة وحيدة بفيلم «ظاظا رئيس جمهورية» للمخرج على عبدالخالق والسيناريست طارق عبدالجليل، والذى تم فيه ترشح مواطن معدوم من عامة الشعب ضد رئيس الجمهورية العجوز، وينتخبه الناس رغبة فى التغيير، ولكن بشكل عام ارتبطت صورة الانتخابات فى السينما المصرية على مدار تاريخها إما بمجلس الشعب أو بالانتخابات الداخلية فى الشركات والمؤسسات والنقابات، مثل فيلم «خيوط العنكبوت» للمخرج عبداللطيف زكى، والمؤلف مصطفى محرم، وكذلك فيلم «أبوكرتونة» بطولة محمود عبدالعزيز، وإخراج محمد حسيب، والذى تناول الانتخابات داخل إحدى المؤسسات». وأضاف: «بداية تناول ملف الانتخابات بكل تجاوزاته تعود إلى سنوات طويلة، وبالتحديد منذ فيلم «حب للأبد» عام 1958 للمخرج يوسف شاهين، بطولة أحمد رمزى ومحمود المليجى ونادية لطفى، والذى تناول ترشح أحد الأشخاص لمجلس الشعب، وفى الوقت نفسه يتورط أخوه فى مساندة سيدة متهمة بالقتل، ويسعى الشقيق الأكبر لإبعاد أخيه عن تلك القضية حتى لا يستغل أعداؤه هذا الأمر فى الدعاية السلبية له فى انتخابات البرلمان، وكانت تلك هى الإشارة الأولى فى السينما للممارسات القذرة فى لعبة الانتخابات، وظلت السينما تتناول هذا الملف على استحياء وبشكل عابر طوال فترتى عبدالناصر والسادات حتى جاءت فترة حكم «مبارك» والتى أتاحت الفرصة لتناول هذا الموضوع بشكل مكثف فى العديد من الأفلام، خاصة الانتخابات البرلمانية بكل تجاوزاتها، مثل الجزء الثانى من فيلم «بخيت وعديلة» والذى يقوم بشكل كامل على انتخابات مجلس الشعب، واختار الفيلم أن تدور الحملة الانتخابية فى إحدى دوائر غرب الإسكندرية، وهى منطقة شعبية أضاف إليها الفيلم أيضاً عشوائية غير موجودة فى الواقع من أجل تسخين قذارة المعركة، هنا يلجأ الخصوم إلى وسائل قذرة عديدة من أجل الفوز بالمعركة، هم يزايدون فى المطالب والخدمات التى يقدمونها للناس، ويعرضون على المنافسين إغراءات ثم تهديدات عندما يزداد الإحساس بأنهم سيخسرون، وفى الفيلم إشارات إلى ما حدث فى المعركة الانتخابية الأخيرة، من تهديد المنافس فى حالة فوزه. وبالفعل فأمام كل هذه الإغراءات بالتنازل من طرف أكثر من مرشح وفى أحد المشاهد يعلن «بخيت» أنه سوف يتنازل لمن يدفع أكثر وكذلك تم تناول هذه الانتخابات فى فيلم «الواد محروس بتاع الوزير» للمخرج نادر جلال والمؤلف يوسف معاطى، وأيضاً فيلم «حتى لا يطير الدخان» للمخرج أحمد يحيى». وعن شكل تناول تلك الأفلام للانتخابات ومدى تطابقه مع الواقع قال: «السينما قدمت كل هذه الأفلام كى تشكك فى نزاهة الانتخابات وإظهار فساد أعضاء مجلس الشعب ولا أمل فيهم، وأنهم وصلوا للمجلس عبر صفقات مشبوهة، مثلما ظهر أيضاً فى فيلم «عمارة يعقوبيان» من خلال مشهد حوار بين نور الشريف وخالد صالح حول تفاصيل الترشح وتحكم الحكومة فى نتيجة الانتخابات، ولا أتصور أن الأفلام جاءت بأى شىء بعيد عن الواقع فيما يتعلق بالانتخابات، فقد عكست كل ما هو حادث فى أرض الواقع». ومن جانبه تحدث الكاتب والسيناريست طارق عبدالجليل، مؤلف فيلم «ظاظا رئيس جمهورية»، قائلاً: «تجربة فيلم «ظاظا» تعتبر غير مسبوقة لعدة أسباب، خاصة أنها الوحيدة التى تناولت الانتخابات الرئاسية فى وقت لم يكن مسموحاً على الإطلاق الاقتراب من مؤسسة الرئاسة بأى شكل، وربما هذا الذى جعل الأحداث تدور فى دولة أخرى خيالية من دول العالم الثالث، وذلك بعد أن تصدت الرقابة لهذا الفيلم، ثم حذفت اسم «رئيس جمهورية» من عنوان الفيلم، لكن مسألة المعركة الانتخابية التى دارت بين رئيس عجوز، محنك، التصق طويلاً بمقعد الرئاسة، ومواطن عادى، متزوج، كل ما يحلم به هو الحصول على شقة يعيش فيها مع زوجته، هذه المسألة بدت جديدة وجريئة، وقد أراد فريق الرئيس الحالى، العجوز، أن يصنع حملة انتخابية صورية وهمية على طريقة انتخابات الرئاسة فى 2005 فجاءوا بهذا المواطن «ظاظا» كى يكون المرشح أمام رئيس الجمهورية العتيد، وفى البداية تم كل شىء بسلام، فالمرشح ليس طامعاً فى المنصب مثل الرئيس العجوز، لكن فجأة يقوم الناس بالهتاف له ويرونه سبيلاً للتغيير، مما يجعل الفريق الرئاسى يشعر بخطورة «ظاظا» وينتقل هذا الإحساس للرئيس نفسه، ويتم عمل أول مناظرة بين الرجلين، القديم والجديد، ويبدو «ظاظا» خائفاً، مرتبكاً، وجلاً، من وجوده فى حضرة الرئيس، ولا تبدو المناظرة جدلاً بين خصمين، بل إن التفوق يبدو مسيطراً على الرئيس القديم الذى يخسر المعركة ويصبح الشاب رئيساً للجمهورية. وأغرب ما فى الفيلم، ولعله ليس غريباً بالمرة، أن ظاظا عندما صار رئيساً للجمهورية فإنه لم يغير من بطانة الرئيس السابق وظل نفس أعضاء اللجنة الاستشارية للرئيس الجديد». وأضاف: «الفيلم نقل بشكل متطابق تفاصيل العملية الانتخابية بكل تجاوزاتها وسلبياتها، وما يتعلق بأحلام الناس وآمالهم بالمرشح الجديد، وكان ذلك فى أعقاب انتخابات 2005 والتى أتصور أنها كانت المحاولة الوحيدة لإقامة انتخابات رئاسية بالمعنى المفهوم فى أعقاب ثورة 1952». وعن تصوره لشكل الانتخابات فى السينما فى الفترة المقبلة قال: «أتصور أنه إذا تصديت للانتخابات فى المرحلة المقبلة سأتناول فكرة اختفاء المرشحين الذين كانوا قد ترشحوا فى المرحلة الأولى من الانتخابات الرئاسية العام قبل الماضى، وكيف غابت الأحزاب عن المشاركة الفعالة فى الانتخابات وغابت التعددية». ويتحدث المخرج على عبدالخالق عن تجربة فيلم «ظاظا»: «التجربة كانت شديدة الخصوصية واقتحمت منطقة ألغام لم يجرؤ أحد على الدخول إليها من قبل وربما حتى الآن، وأردنا خلال الفيلم تصوير تفاصيل الواقع الذى رغب الناس فى تغييره، وكان «ظاظا» هو المرشح الأمل بالنسبة لهم، وقد رصدنا من خلال الأحداث كل تفاصيل العملية الانتخابية وكل السلبيات التى تشوبها بشكل كوميدى، بداية من الرشاوى الانتخابية، وحتى المتاجرة بأحلام الشباب والوعود الزائفة للمرشحين، وتفاصيل الدعاية الانتخابية والمؤتمرات الجماهيرية، وغيرها، وقد اصطدمنا بالرقابة التى احتجزت الفيلم وتصدت للكثير من التغييرات فيه حتى أفرجت عنه فى النهاية، وأخيراً تظل التجربة مختلفة، حيث إن الانتخابات الرئاسية وقتها لم يكن قد تمت إقامتها سوى مرة واحدة، ولكن فى الفترة المقبلة أتصور أنه فى حالة الإقدام على تقديم فيلم عن الانتخابات سواء الرئاسية أو البرلمانية، سيكون هناك الكثير من العوامل والتفاصيل التى ستثرى الموضوع بكل تأكيد عما كانت عليه من قبل». ويقول الناقد رامى عبدالرازق: «الانتخابات من أكثر الجوانب الواقعية التى تناولتها السينما، ففى فيلم «بخيت وعديلة» تم تناول الانتخابات ب«الكوميديا السوداء»، لكن رغم ذلك كانت أغلب أحداث الفيلم حقيقية، كأن يقوم رجل أعمال بشراء أصوات الناخبين، وهذا الفيلم أظهر الواقع المأساوى الذى نعيشه حين يأتى أشخاص من الشارع، ويصبحون مرشحين، وكان لذلك إسقاط من خلال رمز المرشحين «الجردل» و«الكنكة»، وذكرت هذه الرموز للدلالة على الأصل المتدنى لبعض الشخصيات التى لا تصلح أن تكون فى هذا المنصب. كما تناول فيلم «طيور الظلام» فكرة التواطؤ مع مرشح الحكومة، وفى فيلم «دكان شحاتة» كان هناك مشهد تظهر فيه صورة الرئيس الأسبق حسنى مبارك، وفى نفس الوقت يقوم شخص بدفع 50 جنيهاً لشخص آخر كإسقاط على الرشاوى التى تحدث فى الانتخابات، وكذلك فى فيلم «عين شمس» عندما تحدث أحد النواب عن الكثير من الوعود لأهالى منطقة «عين شمس» التى ترشح عنها، وهو يسكن فى الزمالك، وفور فوزه تناسى كل وعوده وتجاهلها». ويضيف: «حتى الأفلام القديمة التى أنتجت فى الستينات كانت لها نظرة فى الانتخابات، ففى فيلم «أرض النفاق» عن رواية يوسف السباعى، هناك مشهد كان إسقاطاً على ذلك، عندما دخل فؤاد المهندس مقر أحد المرشحين للانتخابات، ووجده يعطى وعوداً مبالغاً فيها، فقام بإعطائه «حبوب صراحة»، ليجد الناخبون أن جميع وعوده كاذبة، ولكن بشكل عام فإن الأفلام المصرية التى تطرقت لهذا الموضوع بشكل كوميدى أو سياسى استطاعت أن تعبر عن الانتخابات فى الواقع، واستغلت مساوئ ما يحدث فى الانتخابات والمشاكل التى تسببها». وعن الرقابة ودورها فى تحجيم هذه الأعمال لأسباب سياسية قال: «الرقابة تخلق سقفاً معيناً فى مثل هذه الموضوعات لضمان السيطرة عليها، وتسمح بانتقاد من تتغير مناصبهم مثل نواب مجلس الشعب، وهم أول فئة يتم انتقادها فى الأفلام، وكذلك الوزراء أيضاً، وكانت ترفض مثل هذه الإسقاطات على الرؤساء لأنهم كانوا دائمين فى مناصبهم، لكن حالياً أعتقد أنهم أصبحوا أيضاً عرضة للانتقاد بعد الثورات، خاصة بعد أن أصبح الرئيس يتغير بشكل مستمر». وأخيراً يتحدث الناقد وليد سيف قائلاً «إن تناول الأفلام لفكرة الانتخابات جاء فى أغلبه تناولاً واقعياً وفانتازياً، وذلك لأن السينما حدث بها توازن مع ما مرت به مصر، واستطاعت أن تعبر عن الصورة الحقيقية لهذا الواقع، وأصبح الفنان يستطيع أن يتحدث عن المشاكل التى يواجهها المجتمع، لكن على صعيد آخر للأسف هناك بعض الأفلام التى لم تتناول هذا الموضوع بالجدية الكافية، ففى فيلم «بخيت وعديلة» كان هناك إسقاط على الواقع من خلال رصد البلطجة التى تحدث فى الانتخابات والاحتشاد وراء المرشح الذى يدفع أكثر لكن فى صورة هزلية تتناسب مع طبيعة الفيلم، وهناك أفلام حاولت أن تجد لنفسها مساحة من التحرر فى حدود الهامش المتاح بالنسبة لها، والذى كانت تسمح به الرقابة على المصنفات الفنية، وذلك بالنسبة للأفلام التى قدمت قبل الثورة مثل فيلم «ظاظا» وفيلم «صرخة نملة» الذى عرض بعد الثورة، أما حالياً فلم يتطرق أى فيلم لهذه القضية، لأنها استهلكت بالقدر الكافى الذى لا يسمح بمناقشة نفس الموضوع بنفس الطريقة، خاصة أن الجمهور أصبح يعلم جيداً ما يدور فى لعبة الانتخابات بشكل يجعل العمل الفنى تقليدياً، ورسالته واضحة، ويشاهدها الجمهور بنفسه فى الشارع أثناء الانتخابات».