■ «المسامح كريم» عنوان لبرنامج إنسانى واجتماعى رائع للإعلامى المتميز جورج قرداحى.. والعنوان تعبير شائع لدى المصريين حينما يحث بعضهم بعضاً على العفو والتسامح، وأن من يتسامح هو أكرم الطرفين وأقلهم رغبة فى الثأر والانتقام. ■ شاهدت بعض حلقات البرنامج وتأثرت بها وبكيت فى بعضها، فقد شعرت بصدق الضيوف؛ فبكاء المظلوم صادق لشعوره بالظلم مع فرحته بالعفو فى نهاية الحلقة، وبكاء الظالم التائب يكون عادة صادقاً مع كرم المظلوم وعفوه عنه. ■ كل من شاهد البرنامج يعيش مع أحداثه بمشاعره وقلبه، فكل لحظة يديرها «قرداحى» بمنتهى الحرفية المخلوطة بالأدب والتفهم لمشاعر الضيفين. ■ إنه لا يجبر المظلوم على التسامح بل يحثه عليه ويحببه فى العفو بطريقة رائعة، ويذكره أن الهجر والخصام أو الثأر والانتقام لن يفيده شيئاً. ■ ولولا اسم المذيع ما عرفت ديانته لأنه مزيج من الثقافات المتعددة ويحفظ من الآيات والأحاديث النبوية الكثير، ويوقر الجميع. ■ لقد أعطى «قرداحى» درساً للجميع فى الإعلام الهادف والنظيف والمؤثر فى الوقت نفسه. ■ لقد وصف نفسه بأنه وسيط خير بين الناس، وكأنه يستلهم شعار القرآن العظيم فى الترغيب فى الشفاعة فى الخير: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا}.. ويستلهم معنى الحديث: «اشفعوا تؤجروا». ■ لقد رسخ الرجل مع فريق عمل البرنامج فضيلتين مهمتين نحتاج إليهما جميعاً: الأولى: التسامح والعفو والرغبة فى الصلح، وهى تحتاج إلى شجاعة وسمو نفس، فالعفو هو زكاة القدرة وسر دوامها؛{فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ}، {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ}. الثانية: شجاعة التوبة والاعتراف بالخطأ والاعتذار عنه، وهذه تحتاج إلى شجاعة أكبر من الأولى. ■ إن الاعتراف بالخطأ خير من التمادى فى الباطل، والرجوع إلى الحق فضيلة، والحق قديم، وقد وجدت كثيراً من الضيوف الذين أخطأوا فى حق الآخرين يبكون ويتوسلون إلى الآخرين للعفو والصفح عنهم. ■ فهذا أب عمره 90 عاماً ترك زوجته الحامل فى ابنته التى بلغ عمرها الآن 60 عاماً، أى أنه لم يرَ ابنته هذه منذ 60 عاماً، ولا يعرف عنها شيئاً، وكانت البنت تشتاق لرؤية أبيها، فلما يئست من ذلك وتباعدت بينهما المسافات ولم يعرف أحدهما الآخر كانت تدعو الله أن تلقاه فى الجنة والآخرة، وإذا بالبرنامج يجمعهما معاً ومعهما الأحفاد وأحفاد الأحفاد، ثلاثة أجيال يلتقون بالبكاء والأعناق بعد أكثر من نصف قرن من الفراق. ■ وهذه زوجة مغربية كان زوجها يضربها ويضيق عليها فى الرزق ويهجرها ويخونها مع غيرها، وحينما رأت صورته على الجانب الآخر من الاستديو ثارت وانهارت ووصفته بالكذب والخيانة، وأصرت على عدم العودة إليه أو العفو عنه وهو يتوسل إليها. ■ ويقرأ لها جورج قرداحى رسالته التى تفيض حباً واعتذاراً، وبعد صولات وجولات إذا بها ترق له وتسامحه ويحتضنها فى موقف مشحون بالمشاعر الفياضة وسط تصفيق حاد من الجمهور. ■ وهذا صديق سودانى هجر صديق طفولته بعد 30 عاماً من الصداقة، لأن أحدهما شتم الآخر وأهانه فى لحظة طيش، وتأسف المخطئ واعتذر، فبكى المظلوم وسامحه. ■ لقد كان هذا أسرع تصالح فى البرنامج حتى قلت لنفسى: أهل السودان أهل رقة وطيبة وتسامح. ■ وهذه أم تركت ابنها 15 عاماً بعد طلاقها من أبيه وتزوجت غيره، فحرم الابن وشقيقه من حنان أمه 15 عاماً، حاولت إصلاح خطئها والعودة إليهما، ولكن أحدهما رفض أن يتحدث إليها أو يقابلها وقاطعها 8 سنوات، وبعدها خاف غضب الله وغضبها، ورأى البرنامج فرصة للتسامح، ونجا من حادث سيارة وهو ذاهب للبرنامج فأدرك أنها إشارة قدرية بقرب العقاب إن لم يتواصل مع أمه؛ كتب رسالة رائعة إلى أمه استجابت الأم فوراً والتقت القلوب والأجساد وسط تصفيق حاد. ■ إنها مواقف إنسانية رائعة، فما أحوج مصر والمصريين إلى شعار «المسامح كريم»! وما أحوجها إلى شعارات التغافر والعفو والصفح والتراحم، بدلاً من القسوة المشتركة والثأر المتبادل والأحقاد التى طالت الجميع وتورَّث للأجيال المقبلة ■ لقد اختفت كل هذه المعانى النبيلة تحت سندان الصراع السياسى ومطرقة البحث عن السلطة، وهل أنت معى أم مع الآخر. ■ ما أحوج مصر الممزقة إلى هتاف «المسامح كريم»! تحية إلى كل من يصفح ويعفو، وتحية لكل متسامح، وتحية لجورج قرداحى ولفريق برنامجه وبخاصة صاحب هذا الديكور الرائع.