رغم بساطتها وفقرها، لم تتعود السيدة العجوز أن تمد يديها لأحد، تجلس يوميًا على رصيف شارع الزهراء بمنطقة المعادي، تأخذ جنبًا تختبئ فيه تحت فروع الأشجار حتى لا يراها أحد، اعتادت بناتها الثلاثة أن يزورها في نفس المكان كل ليلة لرفضها أن ترجع معهم، "عيالي بنات ومتجوزين أروح معاهم إزاي، أنام في الشارع بس المهم إني سترتهم في بيت يحميهم، وأكيد هييجي في يوم رئيس هيجبلي مكان أنام فيه"، هكذا حال عواطف رجب، مواطنة مصرية، لم تملك في الحياة شيئًا سوى عزة النفس. اعتاد أهالي المنطقة على رؤيتها يوميًا منذ 12 عامًا، يحاول البعض أن يعطيها أموالًا للمساعدة لكنها في كل مرة لم تقبلها، "ربنا موجود ومبينساش حد، هفضل في مكاني لحد ما أموت أو ييجي ريس يجيبلي مكان يحميني، لكن ماخدتش فلوس من حد عشان أنا مش شحاتة، الحمد لله من ساعة ما كنا عايشين في المنيا قبل ما جوزي يموت ويسبلي العيال عمرنا ما مدينا إدينا لحد، ولما نزلنا القاهرة ربنا رزق عيالي شباب زي الورد واتجوزوهم بالهدوم اللي عليهم". بدموع محبوسة وصوت مخنوق، تلحفت السيدة الخمسينية بشالها البسيط على كتفها، "حالي من حال مصر، وعندي أمل إن الريس اللي جاي هيبقى بيتها اللي يحميها ويحميني من نومة الشارع"، قائلة "الناس هنا في الحتة بيحاولوا يساعدوني بأي طريقة، ولما بيلاقوني مش باخد فلوس ولا بمد إيدي لحد بيجبولي كيس برتقان ولا جوافة وناس بتنزلي مية والبوابين بيدخلوني الحمام عندهم، وولادي علطول بشوفهم وربنا سترها معاهم"، متمنية "نفسي مصر تبقى أحسن بلد في الدنيا وميبقاش فيها ناس زي مش لاقية حتة تتويها، وممتش وأنا في الشارع".