رغم عودتي من العمل مجهدة، لكن يعكر صفو حياتي أن راتبي وراتب زوجي لم يعد كافيًا لمواجهة غول الغلاء المتوحش، والذي يلتهم أي زيادات غير حقيقية، لا شىء يجدي لضبط الميزانية المنزلية "المخرومة" على الدوام. على الأرجح تنفذ الفلوس في منتصف الشهر تقريبًا، ونقضيها استدانة من البقال والجزار، حتى الدروس الخصوصية للأولاد نؤجلها قليلًا بعد تفهمهم للأوضاع الاقتصادية التي لا تدع أحدًا في عمله، لذلك ومن هذا الموقف المتأزم قررت أنا وجاراتي بالعمارة عمل مشروع صغير في شقة أحدنا، أو تأجير غرفة فوق سطوح العمارة التي نقطن فيها، وتنفيذ مشروعنا الصغير. قلبي الصغير لا يحتمل كمية المشاركات الإيجابية والروح الخلاقة التي تسيطر على الجميع، فلقد قررنا أن يكون مشروعنا الجماعي هو عمل "أكل بيتي" مناسب وشهي بقدر الإمكان؛ لذلك قسمنا الاختصاصات فيما بيننا، فهناك من تجيد طبخ المحاشي باختلاف أنواعها، وهناك من تتقن عمل الحلويات الشرقية والغربية، ومنا من تتخصص في عمل المشويات.. باختصار كان فريق عمل رائع. أعلنّا عن أنفسنا بقوة من خلال جاراتنا الأخريات، واللاتي لا تعملن ويتقن للتحرر من أعباء الطبخ اليومي؛ حتى تكالبت الطلبات "الأوردر" من كل حدب وصوب، وذاعت شهرتنا مثل أبلة نظيرة (آه والله مثل أبلة نظيرة)، وبدأت النقود تعرف طريقها إلينا، ونظمنا أيضًا طعام بيوتنا لمدة إسبوع كامل، وكان الجميع يشعر بالسعادة الغامرة، فنحن نكسب أرباحًا معقولة وغيرنا ينتفع بمزايا الأكل البيتي الممتاز بأسعار معقولة، لكن يبدو أن طريق النجاح ليس سهلًا، والاحتفاظ بالقمة من أصعب الأشياء، فلقد شمّت بعض المطاعم الشهيرة بالمنطقة عن مشروعنا، وبدأت تنافسنا وتقدم نفس الأصناف بأسعار أقل مع خدمة توصيل مجانية. كان الضرب تحت الحزام بقوة، ونحن نقاوم بضراوة، لكن طلبات الطعام انخفضت تمامًا، وتذكرت ما كان يفعله "عنتر و لبلب" في فيلمهما الشهير بالتراشق بأطباق الطعام الشهية والرخيصة أيضًا، والجمهور هو المستفيد من ذلك التنافس، ووجدنا أنفسنا نعاني إفلاسًا رهيبًا، ولم يعد أحد يطلبنا ويترجانا لعمل أطباق محشي ورق العنب مع الكوارع.