مع تزايد وتيرة الصراع السياسى فى مصر ودخول هذا الصراع مرحلة المتوالية الهندسية للدماء التى تحدث عنها القرآن «مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً».. ومع تزايد الأحقاد والكراهية فى المجتمع المصرى.. ونوبات الإقصاء المتبادل بين المتصارعين واستخدام كل الوسائل المباحة وغير المباحة لشحن الشباب بكل وسائل الكراهية والمقت والتكفير السياسى والدينى.. نشأ جيل فى مصر لا يتبنى العنف اللفظى فحسب.. ولكنه ينتمى إلى ما يمكن أن نسميه «جيل العنف المسلح الفردى والعشوائى».. وهذا الجيل يختلف عن جيل الجماعات الكبيرة التى كانت تنتهج سابقاً «العنف المسلح». وهذا الجيل الجديد ليست له روابط تنظيمية بجماعات كبيرة عادة.. ولا يحتمل البقاء فى مثل هذه التنظيمات التى قد تلزمه بالصبر والحلم أو توظفه فى الدعوة أو الإعلام أو غيرها.. هو يريد العنف المسلح السريع والعاجل الذى يعتقد أنه سيقهر به خصومه بين عشية وضحاها أو يحملهم على التراجع؟.. ولا يسأل نفسه كيف ستتراجع الدولة؟.. وما الذى سيحملها على ذلك؟.. ولا يدرى شيئاً عن الأثر السلبى لأعماله المسلحة، على الإسلام والإسلاميين ككل فى مصر.. فهو لا يعرف هدفاً محدداً من وراء قتل ضحاياه من الجيش أو الشرطة المصرية.. هو يريد قتلهم وكفى. وهذا الجيل لديه سطحية خطيرة فى الفكر والرأى والاعتقاد مع قراءات ضحلة وقليلة للفقه الإسلامى.. وذلك بعكس أجيال الجماعات الكبرى الأولى التى كان لها فكر محدد يدرس للأجيال ونسق معين لتعليم الفرد قبل انخراطه فى العمل المسلح.. حتى إن كان هناك خطأ أو أخطاء فى هذا الفكر. وجيل العنف الفردى المسلح قد يكون مجموعات صغيرة جداً تتفق جميعاً على تكفير الجيش والشرطة كلها دون أن تدرك معنى «دعاة لا قضاة»، وتقتلهم دون استثناء، ودون أن تفهم شيئاً عن معنى «دعاة لا ولاة» أو المعنى العظيم «دعاة لا بغاة».. وهى تصف تفجيراتها بأنها «فتح من الله» فى بدعة لم يعرفها الإسلام من قبل بأن قتل المسلمين من الجيش والشرطة «فتح من الله».. وتصف قتلاها فى بياناتها بالشهداء والآخرين بجنود الطاغوت المرتدين، فى استلاب بغيض لمفاتيح الجنة والنار من مالك يوم الدين الذى يقول مخاطباً نفسه «لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ». هذا الجيل لا يستلهم فقط آراءه وأفكاره التكفيرية المشحونة برغبات الانتقام من شبكة النت.. ولكنه يستلهم معها طرق التفجير.. فإذا لم يجد المتفجرات الجاهزة مثل «T.N.T» بحث فى النت عن طريقة لعمل متفجرات بدائية ثم تفنن فى كيفية زيادة شراسة انفجارها فيضع فيها أمواس الحلاقة ومسامير 9 سم و7.5 سم وقطع حديد صغيرة.. وأحد هذه المسامير هى التى اخترقت قلب العميد طارق المرجاوى، فقتلته على الفور. ومن أبرز نماذج العنف الفردى المسلح فى الأيام الأخيرة نموذج أحمد عبدالرحمن، ذلك الأزهرى خريج كلية أصول الدين، الذى لم يجد عملاً، فكان يحمل أنابيب البوتاجاز إلى البيوت، ثم ذهب إلى معسكر التكفيريين فى سيناء، فظل فيه عاماً كاملاً يتلقى فيه علوم التكفير والتفجير، ثم توجه إلى المدرسة التكفيرية الثانية مع مجموعات القاعدة فى سوريا.. وظل هناك لمدة عام ونصف العام، ثم عاد بعد ذلك ليقتل 14 ضابطاً وأمين شرطة ويصيب 6 من ضباط الجيش وجنوده.. دون أن يعرف عنهم شيئاً أو تكون له صلات سابقة بهم.. ودون أن يؤذيه أحدهم بعينه.. هو يقتلهم لمجرد انتمائهم إلى مؤسستى الجيش والشرطة أو ارتدائهم الزى العسكرى. أما النموذج الثانى فهو الشاب ياسر محمد أحمد وهو مهندس تخرج حديثاً فى هندسة القاهرة.. واعتنق فكرة التكفير وطريقة التفجير عبر النت بعد أن تواصل مع ثلاثة من زملائه خريجى هندسة القاهرة تعرف عليهم عن طريق «الفيس بوك» وعبر صفحة خريجى هندسة القاهرة، ثم تواصل مع مجموعة «طلاب ضد الانقلاب» حتى كوّن هذه المجموعة، التى قامت بقرابة 12 عملية تفجير بعبوات بدائية الصنع ومن مكونات محلية.. ومنها التفجير الذى قتل فيه العميد طارق المرجاوى وغيره.. لقد مثل «ياسر» طريقة التفجير أمام النيابة العامة. تُرى ما الذى يدفع خريجى الهندسة وهم أهل العمران والبناء للانخراط فى التدمير والتفجير والهدم؟ ما الذى يدفع مثل هذا المهندس الشاب لأن يمتلئ قلبه بالحقد والكراهية لمجتمعه حتى يزرع المتفجرات بهذه الطريقة فى أى مكان؟ صحيح أنه لم يجد عملاً منذ تخرجه.. وأنه من محافظة بنى سويف المكتظة بمجموعات التكفير.. التى قُتل وأصيب منها عدد كبير من الشباب الطيب فى فض اعتصام رابعة، الذى افتقر إلى الحكمة والرحمة معاً. ولكن هل هذه المبررات كلها كافية، لأن يتحول مهندس أو أزهرى شاب إلى أن يمتلئ قلبه بالحقد الأعمى تجاه وطنه ومواطنيه ويريد قتلهم بهذه الطريقة البشعة، وهو يزعم أنه يحمل بذلك رسالة الإسلام؟ لقد نسى هؤلاء جميعاً أن القلب الذى يحمل الإسلام ودعوته لا بد أن يتطهر من الحقد والغل والضغينة والرغبة العمياء فى قتل كل من يرى أنه أساء إليه أو ظلمه أو بخس حقه.. أو صارعه على منصب أو جاه. إننا لسنا أوصياء على الخلق أو على الدين وقد قيل لمن هو خير منا «لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ» و«لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَىْءٌ».