سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
«السيد»: أمريكا طلبت معرفة «أسرار المهنة» من أبى سهير زكى وسعيد عبدالغنى ولاعبو «الأهلى» كانوا زباين أبى.. و«نبروه» تحولت من قرية إلى مدينة بسبب «الفسيخ»
فى أحد أزقة «نبروه»، على نقيض العائلات الأخرى وأصحاب المحلات الشهيرة، تجد محلاً قديماً تعلو أحد جدرانه صورة للأب «لطفى الحداد» عندما كان فى الثلاثينات من عمره. يقف فى المحل ابنه «السيد»، خمسينى العمر، وهو الوحيد الذى حافظ على اسم العائلة فى المهنة على نقيض العائلات الأخرى التى تحافظ على تاريخها فى صناعة الفسيخ. قال «السيد» بفخر شديد: «عائلة الحداد من أقدم الفسخانية فى مصر، وأنا تعلمت المهنة من والدى الله يرحمه، تُوفى منذ 30 سنة، وكان أساس المهنة جدى يوسف الحداد»، قاطعه أحد الزبائن دقائق، ثم استأنف حديثه بابتسامه عريضة متحدثاً عن تاريخ والده بنبرة صوت وملامح بدا عليهما الاعتزاز: «والدى اتكتب عنه فى الإعلام، الكلام ده فى الستينات، أيام النكسة جاتله رسائل من أمريكا بأن يعلمهم مهنة الفسيخ لكنه رفض، واتكتب عنه فى مجلة آخر ساعة وأخبار اليوم بعنوان محاولة تجنيد تاجر فسيخ مشهور بنبروه». يعمل «السيد» مديراً عاماً بمجلس مدينة نبروه: «أنا برضه موظف ومش فاضى دايماً، علشان كده مابفتحش غير فى المواسم بس، وكان أخى الحاج يوسف يعمل بالمهنة حتى توفى، بينما أخى الثانى لم يعمل بها واتجه لتجارة المحمول، والعيلة كلها دلوقتى متعلمين، فيها مهندسين ودكاترة بيشتغلوا فى أكبر مستشفيات، خلاص بقى اللى كانوا بيحبوا المهنة راحوا، ربنا يرحمهم». شهرة نبروه فى صناعة الفسيخ مكنت أهلها من المشاركة فى الحياة السياسية، قال بابتسامة تحتضن وجهه: «شهرتنا ساعدت أن يكون مننا عضو دائم فى مجلس الأمة والاتحاد الاشتراكى ومجلس الشعب زمان»، ويتذكر «السيد» مشاهير كانوا زبائن دائمين لوالده، منهم الفنانة سهير زكى ووالدتها وسعيد عبدالغنى ومحمد شوقى أخو الفنان فريد شوقى، ولاعبون من النادى الأهلى مثل الخطيب ومحسن صالح، ويتابع متنهداً: «أيام.. كانت العيلة فى عز شهرتها». يجلس «السيد» على كرسى مكتبه المتواضع بعد أن انتهى من عملية البيع لزبائنه: «زمان كان صعب فى الموسم ده أريح دقيقة بس واقعد على الكرسى»، يشير إلى خارج محله قائلاً: «المبانى اللى هناك دى كلها ماكنتش موجودة زمان، كانت ساحة لسيارات الزبائن اللى بييجوا يشتروا منا». يرى «السيد» أن أهم أسباب نجاح جده الأكبر ومن بعده أبيه، وسر الصنعة يكمن فى الأمانة، يشير إلى اللافتة التى تعلو المحل وتحول لونها إلى الأصفر، مكتوب عليها «الصدق والأمانة»، ويتابع: «دلوقتى مابقاش فيه أمانة، دخلت على المهنة ناس ملهاش علاقة بيها، تلاقى السباك والنجار والحداد أجروا محل وبقوا فسخانية، وحتى السمك زمان كان بلدى ييجى من البحيرة طازة ونملحه على طول، دلوقتى كله بقى سمك مزارع، وكل مزرعة يختلف سمكها حسب ضمير صاحبها». يشترى «السيد» أسماك الفسيخ من مزارع بورسعيد ومزارع البورصة بالقرب من الحامول بكفر الشيخ، يضيف: «نبروه تحولت من قرية إلى مدينة عام 1989 لشهرتها بصناعة الفسيخ، عندما كان كبار الفسخانية موجودين ومحافظين على المهنة، لكن دلوقتى الصغيرين دخلوا عليها وأهم حاجة عندهم المكسب، أى سمك يملحوه». أوضح «السيد» أن مدة تخزين الفسيخ تختلف حسب الفصل، ففى الصيف لا تقل عن 15 يوماً وفى الشتاء لا تقل عن شهر، إلا أن بين صغار المهنة من لا ضمير لهم حسب قوله: «يسخنوا السمك ويغشوا الزباين علشان يستوى بسرعة ويبان للزبون إنه بقاله شهر، وهو ماكمِّلش يومين». تشرف وزارة الصحة على البضائع التى يقدمها أهالى نبروه، خصوصاً فى المواسم: «الصحة بتعتمد أحياناً على سمعة المكان، بس ماسمعتش إنها عملت حاجة للى بيغشوا». على الرغم من أن «السيد» حاول أن يحافظ على استمرار اسم العائلة فى المهنة فإنه سيكون آخر من يعمل بها فى «الحداد»، قال بابتسامة رضا تملأ وجهه: «ابنى محاسب مالهوش فى الصنعة وبنتى طبعاً عمرها ما هتشتغل فيها، ده حال الدنيا هنعمل إيه؟!».