"صراع الجبابرة".. هذا ما أحسسته من أول يوم زواج بيني وبين حماتي، كانت سعيدة بزواجي من ابنها سعادة لا توصف، وخاصة أنها انتقتني من بين مئات البنات واختارتني من وسط عشرات الأميرات، لأنول الشرف السامي وأحظى بسيد الرجال وأبو زيد الهلالي سلامة، وبالفعل فقد وجدته كذلك. كان يعاملني أفضل معاملة ويحافظ على مشاعري، ويخاف عليّ من الهواء الطائر فلا تسقط مني دمعة ألا ويكون أول من يمسحها، ولا تٌمس لي شعره إلا ويزود عني فيها وأنا ملكة الزمان وأميرة الأحلام، وكل ما يمكن أن يٌقال من كلام، كل هذا لا شك ولا لبس فيه إلا إذا حلّت شجرة الدر وملكة الملوك وساحرة القلوب وآسرة الألباب، الست والدته، عندها أخبط رأسي في أي حائط أو تتخلع لي عين وربما عيناي الاثنتين، المهم أن تشعر حماتي بالهدوء وراحة البال. واكتشفت من أول يوم في الزواج أنها كل شيء بالنسبة لزوجي، وأنه كل شيء بالنسبة لها، رغم وجود حماي وهو رجل وقور للغاية وله هيبة لا يمكن تجاهلها، وعشت في حيرة من أمري وأنا أشعر بصراع خفيّ بيني وبين حماتي، والهدف في كل مرة هو زوجي والخلاف عليه وكأنه صيد ثمين تتمنى كل منا الفوز به. حاولت تجاهل الأمر وساعدني على ذلك سفرنا لسنوات طويلة بالخارج، تنفسّت فيها الصعداء فلا أحد يتدخل في حياتي، ولا صراع دموي على رجل عادي يحب زوجته وأولاده كأي زوج طبيعي، ولا مؤثٌر خارجي يجعله يتصرّف بشكل خارج عن المألوف كالحالات التي تحدث له عند وجود الست والدته، وكنا نعاني الأمرين في كل إجازة وهي تقارن بيني وبينها في كل شيء، ملابسي مجوهراتي تسريحة شعري كريمات البشرة الأحذية، وتحمّلت هذا الصراع المؤقت حتى حدث مالم يكن بالحسبان. توفت حمامة السلام، حماي وأبو زوجي وخط الدفاع الأول عني، والذي كان يحميني من احتدام الصراع وتأججه، ووجدتني أمام قرار واحد لا اختيارات فيه، حيث قرر زوجي أن تنتقل والدته لمنزلنا لتعيش معنا بقية حياتها، ولنقل ما تبقى من حياتي . نظرت لنفسي في المرآة بفزع وأنا أتصوّر حياتي معها في منزل واحد، وقد كانت جحيما في منازل منفصلة، وتصوّرت حجم المشاكل وتعدد الخلافات والصدامات والمشاحنات والحياة التي ستتحوّل لصراع لا ينتهي، على شخص تعتبره كل واحدة منا ملكية خاصة لها، وبدأت الأفكار تغزوني بشراسة وأنا لا أدري كيف أتخلّص منها، وسمعت صوت زوجي وهو يفتح الباب ويرحب بأمه ومعها حقيبة ملابسها، وكانت قادمة من سفر طويل بعد عناء ومشقة في مراسم الدفن وواجبات العزاء، وأنا وحدي في غربتي أجلس في انتظار المصير المحتوم. تصورت نظرتها المنتصرة وهي تدخل عليّ دخول الفاتحين، أخيرا نالت مرادها وستجلس لآخر العمر مع حبيب الفؤاد ابنها الوحيد وزوجي، وما أن وقعت عيني عليها حتى أصابني الهلع، كانت منكسرة العينين تختلف بالكلية عن تلك السيدة الجبارة التي أعرفها، فاندفعت نحوها بعاطفة غريزية وأخذتها بين أحضاني وانا أبكي وهي تبكي، ووسط هذه الدموع الغزيرة هتفت لها في أذنها من أعماق قلبي قائلة "أهلا بكِ في بيتي يا أم الغالي"، فدفعتني مكتفية بهذا الاستقبال ووضعت حقيبتها وجلست مسترخية على الأريكة، ونادت على ابنتي قائلة بعلو حسّها وبصوت جهوري أعرفه جيدا "جهزي لي الحمّام ودخلي الشنطة يا أحلام، عايزة أستريح شوية في بيت ابني همّام".