سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
«رجالة اليومية»: «قاعدين من زمان ع الرصيف.. وقادرين نهد جبال» «أحمد»: «بقوم من الفجر أدعبس على لقمة عيش.. لكن فى ناس تانية بتجيلها اللقمة وهى نايمة اتعودنا على كده خلاص»
جلبابه البسيط ولهجته الصعيدية وملامحه التى تبدو عليها آثار الشقاء وكتفه التى يحمل عليها أدوات الهدم والبناء، تجعل منه ملحمة من العناء اليومى. أسفل وصلة الطريق الدائرى المار فوق شارع فيصل «المريوطية» التقينا أحمد على عامل التراحيل حيث يقف منذ السادسة وسط أكثر من 10 عمال، جاء من أسيوط كما أخبرنا لا يحمل سوى سلاح العمل والكفاح «أَجَنة وشاكوش وكوريك»، جمعها فى حمل ثقيل برباط واحد فوق كتفه وترك بلده وأهله وزوجته الشابة وأولاده من أجل لقمة العيش، فألقى نفسه فى القطار المقبل إلى القاهرة، حيث استقر به المقام فى غرفة صغيرة ببلدة بنهاية فيصل على طريق كرداسة، استأجر غرفته التى يلقى بنفسه فيها كل ليلة لينام من تعبه، ليبدأ بعدها يوماً جديداً. تبدأ رحلة «أحمد» -كما يقول- فجراً قبل الخامسة، حيث يصلى الفجر ويحمل أدواته إلى مقر عمله الدائم، «رصيف» أسفل الكوبرى الدائرى، ليلتقى بأقرانه فى نفس المهنة يجلسون على الرصيف فى انتظار من يطلبهم للعمل، وهو ما يتكرر يومياً وقد لا يجدون من يسأل عنهم لأيام. على الرغم من الحياة الصعبة التى يعيشها «أحمد»، فإن ابتسامته لا تفارق وجهه وقت حديثه معنا، يقول «أحمد» إنه كان عامل تراحيل منذ 20 عاماً، ومنذ ذلك الوقت وهو يستيقظ يومياً مع صلاة الفجر ليصلى الفجر ويتناول إفطاره وينطلق للبحث عن رزقه. ويحكى قائلاً: «أنا من أسيوط وولادى التلاتة هناك، وعايش هنا فى المنشية، وبقالى شهرين ماسافرتش وماشفتش ولادى، وكل ده عشان أكل العيش»، ويتابع: «باقوم من الفجر أدعبس على لقمة عيشى لكن فيه ناس تانية بتجيلها لقمة عيشها وهى نايمة، فيه ناس بتاخد 10 آلاف و18 ألف جنيه ومابيعملوش حاجة، إنما احنا لازم نصحى من الفجر كل يوم واتعودنا على كدا خلاص». وعن أحوال عمله يقول: «بنيجى كل يوم من الساعة 6 الصبح وبنقعد لغاية أما ربنا يرزقنا بشغلانة، وممكن نقعد لغاية المغرب ونروح من غير شغل». وعندما سألناه هل تأثر عمله بعدم الاستقرار الأمنى بسبب الأحداث بعد ثورة 25 يناير؟ قال: «أحياناً يأتى البعض وننجز له العمل ولا يحاسبنا، وفى السابق كانت الشرطة تطاردنا لجلوسنا على الرصيف من وقت لآخر ولكن هذا لا يحدث الآن، نحن نعمل فى كل الظروف لأن أكل العيش مش هيرحمنا، وفى كل أيام عدم الاستقرار والمظاهرات كنا نوجد أيضاً فى نفس المكان، وبالطبع الأحوال تأثرت ولم يعد هناك شغل، ولكننا نستيقظ كل يوم فى الخامسة ومع طلوع النهار نكون على الرصيف، ومعنا عمال من الفيوم والمنيا وسوهاج والجيزة ومن كل مصر». واختتم كلامه بحزن قائلاً: «من يقول إن الشعب ما بيصحاش 5 الصبح ييجى هنا ويشوف أو يشوف الأرياف والفلاحين والعمال فى المصانع والسواقين، هما دول مصر الحقيقية والشعب الحقيقى اللى ما حدش بيسأل عنه.. واحنا ليس لنا علاج ولا تأمين صحى واللى بيمرض لا يجد أكلاً ليعيش هو أو أولاده». والتقط أحمد عبدالرحمن، أحد العمال، طرف الحديث، ليقول: «أنا من الفيوم، كل يوم أصلى الفجر وآجى نفس المكان قبل حتى النهار ما يطلع، وكنت عايش فى الفيوم فلاح لكن مع ضيق الحال حضرت إلى هنا، أسكن بمنشأة البكارى بالقرب من هنا، ونحن لا نعمل كل يوم، وعندما يحضر مقاول يجرى الجميع عليه يطلب الشغل، ولكنه قد يحتاج إلى رجل أو رجلين، ويعود الجميع ليجلس مكانه فى انتظار الفرج». عندما سألناه عمن يقولون إن الشعب المصرى كسول ولا يستيقظ 7 الصبح قال: «لا يتأخر فى النوم غير البهوات الذين لديهم أموال ولا يحتاجون للعمل، ويسهرون الليل على المقاهى، لكن من يريد أن يرى شعب مصر يأتى فى السادسة أو قبلها ليرى الجميع يجرى ليصل عمله من عمال وصنايعية، وهناك طوائف عملها متأخر مثل الميكانيكية أو من مثلهم، لكن البقالين والعمال والفلاحين والتجار يذهبون لسوق الخضار فجراً فى أكتوبر أو العبور، ويبدأون مزاد الأسعار مبكراً، وأحياناً نذهب هناك لتحميل السيارات إلى الأسواق، وذلك يكون قبل الفجر وليس 5 الصبح». فى نفس المكان وسط عمال التراحيل، التقينا بمهنة طالما يسمع الجميع عنها موجود مع «عمال التراحيل»، وهو «المقاول» أو «سمسار الأنفار»، قال: «اسمى مصطفى رجب، من الطالبية، أتفق مع مقاولين أو مهندسين لإحضار العمال، مثلا لو هناك شخص يريد عمالاً لهدم حائط أو بناء سور أو غيرها من الأعمال. وأعرف كل العمال، وماذا يمكن لكل منهم أن يفعل»، ويضيف: «لا أحصل على أجرى من العامل الفقير المجتهد، ولكن من صاحب العمل أو المقاول». وحول الاستيقاظ فجراً قال: «ورثت المهنة عن والدى الذى كان مقاول أنفار، لكنهم زمان كانوا يعملون فى الحفر قبل ظهور الآلات الحديثة التى تحفر (الجور) أو الأساسات، ومنذ طفولتى أشاهد كل الناس حولى يصحون فجراً مهما كانت الظروف، وقد اعتدنا ذلك لأن عامل اليومية إذا لم يخرج لعمله لا يجد طعاماً لأولاده، وأحوال هولاء العمال صعبة، ف(الأُجرى) كما يسمونه يعمل أعمالاً شاقة، مثل التكسير والبناء وتشوين أو حمل ورفع مواد البناء، وبعضهم بيطلَّع رملة للدور العاشر على السلالم».