لا أتذكر متى وكيف واتتنى الشجاعة وأنا فى بداية العشرينات من عمرى فى ستينات القرن الماضى بحيث «أقتحم» ندوة سيد الرواية العربية العظيم، نجيب محفوظ، والأكثر مدعاة للتساؤل يتصل بمصدر إمدادى بالشجاعة لأطلب منه أن يقرأ ما كنت أكتبه من قصص قصيرة.. المهم أن الأستاذ نجيب أعطانى أيامها «شهادة» بأننى كاتبة وهى أهم ما يمكن أن يحصل عليه كاتب أو مبدع آنذاك، ولا أريد الكشف عن كل تعليقات أديبنا الكبير والتى كانت دائماً فى حضور العديد من الأصدقاء المبدعين من جيل الستينات، ولكنى أعترف بأن أعمق «التعليقات» أثراً فى نفسى والتى ظلت محفورة فى وجدانى رغم مرور السنين؛ هما الدمعتان اللتان فرتا من عينى صاحب نوبل للآداب بعد قراءة قصة لى بعنوان «هدية بابا نويل»، هزتنى دموع أستاذ الأدب ولكنها فجرت فى داخلى ينبوعاً من الفرحة بأننى حصلت على شهادة بأننى كاتبة وفزت ربما بما لم يفز به كثيرون ممن تحلقوا حول الأستاذ نجيب أسبوعياً فى كازينو الأوبرا.. وبينما لم أفق من حالة الزلزال الداخلى التى كانت ترجنى نبهتنى الكاتبة الكبيرة فوزية مهران إلى خطئى بالتسبب فى دموع الأستاذ الذى يعانى متاعب صحية.. أجبت بصدق بأنه كان من الصعب أن أتنبأ برد فعله لدى قراءة القصة، ولكننى لم أفصح عن عميق فرحتى بمعنى «دموعه» الغالية، والتى اعتبرتها أروع تعليق وأجمل تحليل لما كتبت.. الأستاذ نجيب محفوظ كان قد تنبأ فى تلك المرحلة بأننى أخطر موهبة فى الستينات! وبعد المنفى الاختيارى فى باريس واصلت الكتابة ولكن بوتيرة أكثر بطئا حتى عام 1988 وبعدها توقفت عن الإبداع الأدبى مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية، وفى زيارة للقاهرة عام 1993 اصطحبنى الصديقان العزيزان الروائيان جمال الغيطانى ويوسف القعيد للسلام على الأستاذ نجيب.. ولدى وصولنا قالا له: إحنا جايبين لك حد بتحبه! فأجبت أنا بصوت عالٍ: أكيد الأستاذ نسينى فقد التقيته آخر مرة منذ نحو 17 سنة!.. وأضفت ضاحكة: «نبوءتك عن موهبتى فشلت يا أستاذ» صاح الأستاذ بصوت وكأنه جرس فرحة: شوباشى!! ضحك يوسف وجمال، وهو بالمناسبة أقرب الأصدقاء إلى قلبى وكان كذلك بالنسبة لزوجى الراحل الكاتب على الشوباشى أصبح جمال جزءاً من حياتنا وكان دائماً إلى جوارى وهو الذى شجعنى على العودة للكتابة بعد رحيل على، وقد هالنى، ولا أبالغ فى الكلمة، أن ينسب لى الشاعر عبدالمنعم رمضان كلاماً فى حق الغيطانى لم أقله بل ولم أفكر فى المعنى الذى ذهب إليه فى حياتى، حيث إن تجربتى مع جمال تؤكد عكس ما ذهب إليه الشاعر تماما. إضافة إلى أننى التقيته مرة أو مرتين فى حياتى ولم يحدث أن أسررت له بأى أمر يخصنى، وإذا تحدثت عن جمال الغيطانى فسوف أقول إن أدبه يشكل علامة مهمة فى تاريخ مصر الإبداعى، وإن أدبه المترجم إلى الفرنسية قد استقبل استقبالاً رائعاً وينتابنى حزن تجاه ما كتبه الأستاذ رمضان.. واعذرونى «الفضفضة» أمر شخصى.. قصدت التخفيف عنى!!