مثلت زيارة الرئيس محمد مرسى لإيران لمدة ست ساعات يوم الخميس الماضى مرحلة جديدة فى العلاقات المصرية الإيرانية كونها أول زيارة لرئيس مصرى لجمهورية إيران الإسلامية بعد أن ثار الإيرانيون على النظام الملكى الشاهنشاهى صديق الرئيس السادات. ثلاثة وثلاثون عاماً من القطيعة بين البلدين اقتصرت العلاقات خلالها على مجرد مكتب لرعاية المصالح فى كلتا العاصمتين، فشلت خلالها كل جهود الوساطة التى قادتها دول ومنظمات عربية ودولية وشخصيات دبلوماسية فى تطوير العلاقة بين البلدين، وكان الرفض دوماً يأتى من الجانب المصرى، لكنه كان يقدم مبررات واهية منها وجود شارع فى طهران باسم خالد الإسلامبولى قاتل السادات، ورغم أن إيران وافقت على إزالة هذا الاسم إلا أن ذلك لم يقنع نظام مبارك بتغيير موقفه الذى لم يكن فى حقيقة الأمر موقفاً مستقلاً نابعاً من الإرادة المصرية بل تابع للسياسة الأمريكية. كان من الممكن أن تنتهى القطيعة بين البلدين عقب نجاح ثورة 25 يناير فى الإطاحة بحكم مبارك، لكن خطايا السياسة الإيرانية حالت دون ذلك، فمحاولات النفاذ إلى الأراضى المصرية من خلال دعم مجموعات شيعية صغيرة، ومساعدتها على الانتشار فى مصر السنية عبر تأسيس أحزاب ومنظمات حقوقية وجمعيات أهلية شيعية أزعجت قطاعات كبيرة من المصريين، خاصة القوى السلفية التى انتفضت لمنع أى تقارب فى العلاقات بين البلدين، وكانت الطامة الكبرى هى الدعم الإيرانى اللامحدود لنظام الرئيس السورى بشار الأسد فى مواجهة ثورة شعبية حقيقية، فى مقابل دعم إيرانى كبير لثورة شيعة البحرين على حكامهم السنة، وهو ما كشف الوجه الطائفى للسياسة الإيرانية الذى حاولت إخفاءه كثيراً من قبل. توقع القادة الإيرانيون أن فوز الرئيس المنتمى للإخوان محمد مرسى سينهى القطيعة تلقائياً، ربما بحكم علاقات طيبة جمعتهم من قبل مع قيادة الإخوان عقب الثورة الإسلامية فى إيران، وقيام وفد إخوانى بزيارة طهران لتقديم التهنئة، لكن قراءتهم كانت خاطئة إذ أن الإخوان الذين كانوا حريصين على علاقة طيبة مع القيادة الإيرانية بدافع من عواطف الوحدة الإسلامية، صدموا فى مواقف متتالية لتلك القيادة منها المعاملة القاسية للأقلية السنية داخل إيران، التى لا تجد لها مسجداً فى العاصمة طهران، ناهيك عن حرمانها من الوظائف العليا فى البلاد، وقتل وإعدام بعض زعمائها، ومساندة الاحتلال الأمريكى للعراق بعد أن كانت إيران تصف أمريكا بالشيطان الأكبر، ومن ثم دعم مجموعات شيعية متطرفة فى العراق قامت بقتل الكثيرين من أبناء السنة بهدف تهجيرهم من بلداتهم لتصبح شيعية خالصة. وكانت الصدمة الكبرى للقوى الإسلامية والوطنية فى مصر هى موقف إيران المناهض لثورة الشعب السورى، وتقديم كل أشكال الدعم للرئيس بشار والتغطية على جرائمه بحق شعبه، والتحرك لتوفير الدعم الخارجى له. تردد الرئيس مرسى كثيراً فى قبول الدعوة لزيارة إيران، لكنه قرر القيام بالزيارة ليضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، فقد أثبت بهذه الزيارة استقلالية القرار المصرى عن السياسة الأمريكية، كما أنه أعاد الروح للدور المصرى الخارجى وخاصة فى منظومة عدم الانحياز، وكان الرئيس مرسى موفقاً فى إعلان الدعم للثورة السورية من قلب عاصمة الدعم لنظام بشار، ولم يكتف مرسى بذلك بل إنه طلب من الجميع تقديم الدعم لوقف نزيف الدم السورى الذى اعتبره أمانة فى رقبة جميع الحاضرين. تطور العلاقات مع إيران مرهون بتطور موقفها من الثورة السورية، وتجاوبها مع المبادرة التى طرحها مرسى فى القمة بتشكيل لجنة اتصال عربية إسلامية؛ لوقف نزيف الدماء وإنهاء حكم بشار.