أما اللجم فمعروف، وأما «محمد عبدالمقصود» فهو المرجعية الإخوانى السلفى الهارب، الحاصل على دكتوراه فى بحوث «وقاية النبات»، وأما سبب اللجم فلأنه «نافخ كير»، وأما معنى «نافخ الكير» فيتضح من الحديث الشريف أن النبى -صلى الله عليه وسلم- قال: (مثَلُ الجليسِ الصالحِ والجليسِ السُّوء، كحامِل المسك ونافخِ الكير؛ فحامِلُ المسك إمَّا أن يُحذِيك (يهديك)، وإمَّا أن تبتاعَ (تشترى) منه، وإما أن تجدَ منه ريحاً طيبة، ونافخُ الكير إمَّا أن يحرق بيتك أو ثوبك، وإمَّا أنْ تجد ريحاً خبيثة) وفى رواية: (إن لم يُصبك من سواده أصابك من دخانه). ففتاوى الرجل إما أن تحرق بيتاً، أو تقتل جنداً، أو تسلب عقلاً، أو تبيع وهماً، أو تُلَفِّقَ نصاً، أو تستغل مراهقاً، إنه حقاً «نافخ الكير»، لأن رسالة الداعية الحق رحمة للناس، وليس نذير شؤم يهدم ويخرب المجتمعات ويحرقها بدافع الخصومة السياسية. ترك تخصص «النبات»، وأفتى بحرق الإنسان والأموال، ليؤكد على أمور، أولها: أنه أسبغ نصوصاً شرعية على فتواه بالحرق، وهذا سمت الخوارج، ثانيها: أنه تيقن من ضعف أثر المظاهرات، فلجأ إلى التحريض بالحرق، وانتفعت منه العلمانية. وفى فتواه دعا أيضاً للامتناع عن دفع مستحقات الدولة كفاتورة الكهرباء، وهو ما سنناقشه فى عدة مقالات، هذه مقدمة الأول منها: انتشرت دعوات محمومة تولى كبرها ما يسمى «تحالف الشرعية»، وشرعنها محمد عبدالمقصود للامتناع عن أداء حق الدولة من تحصيل رسوم الماء والكهرباء والمترو وغيرها، للتأثير على ميزانية الدولة لدفع النظام إلى التخلى عما قام به عقب 30 يونيو من الإجراءات. والدعوة للامتناع عن دفع مستحقات الدولة تعنى أنه لا قيمة أو مفهوم لها عند هؤلاء، فهم يزاوجون بين معارضة السلطة أو نقدها أو تصحيح أوضاعها، أو بيان ما ترتكبه من أخطاء أو خطايا، وبين هدم الدولة وإسقاطها وكسرها وتفكيكها والقفز عليها، وكان الحديث عن التفرقة بين الأمرين من الأمور البدهية، بل من العبث إهدار الحبر فى بيانه، أما وقد صارت القضية هى «الإسقاط»، إسقاط القائد أو الجيش نفسه لا فرق، إسقاط الحكومة أو الدولة نفسها لا فرق، فصرنا -للأسف- فى حاجة ضرورية وملحة للتوعية بالفرق بينهم. جذور هذه الدعوة مرجعها إلى عدم الوعى بأن أجهزة الدولة ومؤسساتها تأسست فى مرحلة الاستقلال والتحرر الوطنى، فهى أجهزة وطنية، وطنية حتى فى أخطائها، كما يقول المرحوم حسام تمام، فروح الوطنية والتحرر والاستقلال عميقة وقوية فى العسكرية المصرية، ويلحق بذلك القضاء المصرى، وما كان من أجهزة أو هيئات فى زمن الاحتلال تم تمصيره، كالنادى الأهلى. فحين أنشئ نادى طلبة المدارس العليا عام 1905 وكان بمثابة شوكة فى جسد الاحتلال البريطانى، حيث استخدمه مصطفى كامل فى إشعال حماس الطلبة ضد الاحتلال، رأت سلطات الاحتلال أن تقضى عليه، فساعدت فى إنشاء ناد رياضى يشغل الشباب بعيداً عن السياسة، وهو النادى الأهلى، الذى حل محل نادى المدارس العليا، فإذا بالنادى الأهلى يتحول إلى ناد وطنى يعبر عن مزاج الاستقلال الوطنى، وتخرج منه روح المقاومة للمحتل. فمسألة التحريض على الامتناع عن دفع مستحقات الدولة هى توظيف للمجهودات من أجل إسقاط الدولة نفسها وتفكيك بنيتها، على اعتبار أنها غير وطنية، وبداية الدعوة تقليد لما فعلته مجموعات سياسية أيام حكم «مرسى» من باب الكيد السياسى للإخوان، نبذنا هذه الدعوات فى حينها وقلنا بتجريمها، لكن الخطورة هنا أن دعوات اليوم ترتدى ثوب الشرع، مما يلزم تأصيل المسألة تأصيلاً شرعياً فى المقالات المقبلة.