كان منذ عشرة أعوام أو أكثر موظفاً بدرجة وكيل وزارة فى إحدى الهيئات التابعة لإحدى الوزارات.. وكان منصبه متوسط القيمة، لكنه كان بفعل محاولاته المستميتة وإصراره وتملقه مقرباً من بعض قيادات الوزارة.. وكان له بزنس خاص ناجحاً فيه إلى حد ما بفعل قناعته بالمثل القائل: «الجنيه يساوى مية راجل».. وكان دائماً يشيع حول نفسه أنه مرشح بقوة لرئاسة الهيئة.. ثم تطور معه الأمر بعد عام 2005 فبدأ يشيع أنه مرشح بقوة للوزارة فى أقرب تعديل أو تغيير وزارى، وكانت تشاع حوله وقائع تثبت بالأدلة القاطعة أنه متعاون مع مباحث أمن الدولة. وبعيداً عن كل ذلك فهو رجل حاد الطباع ويشعر دائماً بالتميز لدرجة الغرور «بلا أى أمارات».. وكان أن أحيل إلى التقاعد لبلوغه سن المعاش قبل ثورة 25 يناير 2011 بعدة سنوات، وانهمك فى مشاريعه الخاصة، وكان يظهر من حين لآخر، وطوال جلسته وهو يؤكد أنه بالفعل كان مرشحاً للوزارة عدة مرات، ثم يتطرق لإنجازاته عندما كان فى الخدمة، وعبقريته المهولة ومواهبه الفذة. وكان بعد الثورة أن تغيرت عدة وزارات. وكان حال صديقنا يتبدل تبدلاً عظيماً عندما يتم الإعلان عن استقالة وزارة وتشكيل وزارة أخرى.. فى كل مرة ينهمك للغاية فى إجراء اتصالات وتوصيات، ويؤكد لنا والثقة تملأ قسمات وجهه مساءً أنه مرشح بقوة لتولى حقيبة الوزارة، وأن فلان أكد له ذلك، وأن علان أسرّ له أنه المرشح الأول لتولى الوزارة. وكان فى كل مرة يذهب إلى أرقى محلات الملابس ويشترى مجموعة من البدل ورابطات العنق الفخمة. ومنذ عدة أسابيع، وبعد استقالة وزارة الببلاوى وتكليف محلب بتشكيل الوزارة، تهلل وجه صديقنا، وأخذ يسرد لنا مبلغ علاقته الوطيدة بالمهندس محلب، ثم فى الأيام التالية انهمك للغاية فى اتصالاته وسعيه هنا وهناك، وهو يؤكد لنا كل يوم أنه مرشح بقوة وللغاية وبلا منافس لتولى حقيبة وزارية مهمة، وأن المهندس إبراهيم محلب بذات نفسه وشحمه ولحمه اتصل به وأكد له ذلك، بل وأكدت له ذلك مصادر موثوق بها فى رئاسة الجمهورية وديوان رئاسة الوزراء. ومرة عاشرة ذهب إلى أرقى محلات الملابس وأنفق مبلغاً ضخماً فى شراء دستة بدل ورابطات عنق.. إلا أننا لاحظنا أن صديقنا وجهه يمتقع ساعة بعد أخرى، وحالته النفسية ومزاجه العام يتدهوران وهو ينظر إلى هاتفه المحمول الذى يأبى أن يرن ويزف له الخبر العظيم المرتقب. وكاد أن يبطش بأحد أصدقائنا الذى تجرأ وقال له متهكماً: وزارة إيه يا عم الوزير، دى كلها تهيؤات، واحنا بنهاودك.. فوق لنفسك وكفاياك هتش على أهالينا». وبعد احتوائنا الموقف ونجاحنا فى تهدئته أخذ يؤكد، بل ويتحدى، أنها ساعات قليلة ويتم استدعاؤه لتولى الوزارة وحلف اليمين أمام رئيس الجمهورية.. وساعتها مش هيخدم حد فينا ولا هيعبرنا.. ثم اختفى صديقنا لعدة أيام، وبالطبع تم إعلان التشكيل الوزارى خالياً من اسمه للمرة العاشرة. وسمعنا أنه عانى من أزمة نفسية وصحية بعد ذلك. ثم بدأ يظهر فى حياتنا من جديد وهو يؤكد أنه كان أقوى المرشحين لتولى المنصب الوزارى إلا أن جهات سيادية اتصلت به وأقنعته أن يرفض المنصب هذه المرة لأن عمر هذه الوزارة قصير ولأن المشير السيسى، الرئيس المرتقب، حاطط عينه عليه لتولى المنصب الوزارى فى وزارة ما بعد انتخابات الرئاسة وأنهم مارضيوش يحرقوه فى هذه الوزارة قصيرة الأجل ومحوّشينه لوزارة المهام الصعبة، وأنه على موعد قريب مع المشير السيسى ليضع معه خطته فى الوزارة ليضعها المشير ضمن برنامجه الانتخابى. وأنا شخصياً ما زلت أنصت لصديقنا عبده مشتاق متظاهراً بتصديقه حتى لا أتسبب له فى وعكة صحية ونفسية. وأنا أعلم علم اليقين أن هناك العشرات بل المئات أمثال صديقنا عبده مشتاق انقلبت أحلام يقظتهم فى المنصب الوزارى إلى واقع مضروب بهلاوس سمعية وبصرية، وإن كنت أتمنى لصديقى عبده مشتاق وأدعو له أن يتحقق حلمه ويصبح معالى الوزير ولو لمدة سبع دقائق.