كان الأحد 9 مارس سنة 1919 يومًا ليس عاديًا في مصر، استيقظ المصريون على صوت صياح في الشارع، بعضهم قرر النظر من النافذه ليفهم ما الذي يحدث، والبعض الآخر كان يدرك كل شيء وبمجرد سماع الضجيج قرر النزول من بيته ليشارك في أول انتفاضة شعبية سلمية يقوم بها الشعب المصري في تاريخه. بدأت القصة عندما وعدت بريطانيا مصر بنيل استقلالها من الاحتلال البريطاني بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى التي اندلعت في 1914 وانتهت في 1918 وبعد دعم مصر لبريطانيا في الحرب لم تفِ بريطانيا بوعودها وتطلّعت الرموز الوطنية في مصر لحضور مؤتمر الصلح في باريس ليعرضوا قضية استقلال مصر وعلى هذا اتجهت مجموعة من زعماء الحركة الوطنية في مصر إلى المندوب السامي البريطاني "السير وينجت"، وكان الزعيم سعد زغلول على رأسهم يطلبون منه السماح لهم بالسفر لباريس وتمثيل مصر فيه لطرح قضية الاستقلال، غير أن السير وينجت وبعد أن استمع إليهم في جلسة طويلة لم يسمح لهم بالسفر متعللاً بسؤال استنكاري وهو: «بأي حق فوّض هؤلاء لأنفسهم التحدث باسم المصريين؟». فقام سعد زغلول وزملاؤه في الوفد بجمع التوكيلات من عموم الشعب لتفويضهم للتحدث باسم المصريين وطبع الوفد آلاف التوكيلات ووزعها في كل أقاليم مصر للحصول على توقيع المصريين عليها، ونجحت حملة التوقيعات، وأمام نجاح الحملة اضطرت القوات البريطانية إلى القبض على سعد وأصحابه، وتم إرسالهم إلى بورسعيد في 8 مارس 1919، ومن هناك تم نقلهم في إحدى السفن الحربية إلى مالطة وكانت هذه شرارة الثورة في اليوم التالي في 9مارس 1919 وقد بدأها طلبة الجامعة ثم طلبة الأزهر. واكتظت مصر بالمظاهرات التي شارك فيها كل طوائف الشعب من عمال وفلاحين وتجار وغيرهم، وشاركت النساء في المظاهرات لأول مرة، وكانت ثورة 1919 قد اندلعت بعدما ظن كثيرون في الخارج أن روح الثورة قد خبت في عروق المصريين، وظن المستعمر البريطاني أن إزهاق روح بعض من الشباب سيرهب الآخرين فإذا باستشهاد الكثير من الشباب يزكى لهيب الثورة، وحمل الشباب من الطلبة أولى شعلاتها، وكان طلبة المدارس العليا أول من أظهر رد الفعل الشعبي الغاضب، فأضرب طلبة الحقوق وخرجوا في مظاهرة سلمية، وسرعان ما انضم لهم باقي طلبة. واجه الاحتلال الثورة بالقمع والقتل فزاد ذلك الثائرين إصرارا وعنادا، وتوالى سقوط الشهداء، وخرجت المظاهرات النسائية إلى أن كانت المظاهرة الكبرى في السابع عشر من مارس. واضطرت إنجلترا في النهاية إلى عزل الحاكم البريطاني، وأفرجت عن سعد زغلول وزملائه وعادوا من المنفى إلى مصر، وسمحت إنجلترا للوفد المصري برئاسة سعد زغلول بالسفر إلى مؤتمر الصلح في باريس، ليعرض عليه قضية استقلال مصر. وأبرز ما ميز ثورة 1919 هو وقوف المصريين جميعا مسلمين ومسيحيين يدا واحدة ضد المستعمر الإنجليزي فكان شيوخ المسلمين يخطبون في الكنائس والقساوسة المسيحيين يخطبون في الجوامع.