بعد نهاية ساعات العمل الطويلة، كان يطل على زوجته وأبنائه الثلاثة، كل يومين، فى منزلهم الصغير بمدينة سنورس التى تقع على طريق الفيوم - القاهرة الصحراوى، لكن تلك المرة طال غيابه.. لم يعد إليهم، فقد كتب له الله الشهادة، برصاص الغدر أثناء مباشرته مهام عمله فى الحوامدية بمحافظة الجيزة. الشهيد أمين الشرطة «أشرف غانم محمد»، 34 سنة، كان يعيش فى شقة صغيرة بالطابق الثانى والأخير من المنزل مع أسرته وزوجته وعائلته، بمنزل ريفى بسيط مبنى من الطوب الأحمر، فى قرية صغيرة تدعى «بيهمو». الشهيد كان يعيش مع زوجته شيرين شعبان «26 سنة» ربة منزل، وهى من نساء القرية، وأنجب ثلاثة أبناء، هم «يوسف» البالغ من العمر 9 سنوات بالصف الثانى الابتدائى، «محمد» البالغ من العمر «6 سنوات» فى مرحلة رياض الأطفال، والطفلة «رودينا» البالغة من العمر عامين فقط، وكانت حياتهم سعيدة، والجو العائلى هو المسيطر على هذا المنزل البسيط، الذى يضم والده «غانم» البالغ من العمر 69 عاماً ووالدته البالغة من العمر 55 عاما. «أشرف» كان هو العائل للأسرة مع والده المسن الذى كان يعمل خادم مسجد بهيئة الأوقاف وأحيل للمعاش، حيث كان يساعد فى مصاريف المنزل ليعين والده على شقيقيه وأبنائه، وكان يسافر للعمل 24 ساعة فى شرطة النجدة، على قوة مديرية أمن الجيزة، ويمكث مع عائلته 48 ساعة راحة، وكان الود والمحبة والتواصل هو الفاصل فى علاقته مع زملائه فى العمل وبعض أقاربه، ابن خاله مختار حمدى، أمين شرطة فى قطاع الأمن بمترو الأنفاق، حيث كان يعتبر شقيقه والأكثر تواصلاً معه. القدر أمهل أسرته البسيطة أن يودعهم الشهيد قبل أن يرى وجه ربه على أيدى الإرهابيين فى الحوامدية بمحافظة الجيزة يوم الاثنين الماضى، حيث كان «أشرف» مع أسرته فى اليوم السابق على الحادث يتسامر معهم ويلعب مع أبنائه الثلاثة ويناقش مع زوجته «شيرين» طموحاته فى أن يشترى قطعة أرض ويقيم عليها منزلاً لأبنائه، حتى يضمن لهم مسكناً عندما يكبرون.. هذا ما أكدته زوجته الشابة البسيطة، ثم غادر منزله فى السادسة من صباح الاثنين عائداً إلى عمله، بعد أن قبّل رأس والدته لينال رضاها، وودع زوجته التى شعرت بالقلق، لأنه ظل على مدار 15 يوماً قبل الحادث يطلب منها أن تتحرك بنفسها وتشترى بعض متطلبات المنزل على غير عادته، وكأنه يريد منها أن تعتمد على ذاتها من بعد رحيله، ولم ينس الشهيد تقبيل رأس والده الرجل الستينى المسن طالباً منه الدعاء له بالستر. 6 ساعات مرت بعد مغادرة الشهيد «أشرف» أسرته وعائلته، ثم اتصل بعائلته بعد الظهر، ليطمئنهم على أحواله، ويطلب من والدته تجهيز الطعام حتى يعزم إخوته على الغداء فى ذلك اليوم -الاثنين- ثم تحدث مع زوجته خلال المكالمة الهاتفية ليطمئن على أبنائه ثم مع والده وسأله «العيال راحوا الكتاب ولا لأ».. ثم أنهى الاتصال بعائلته. وفى يوم الحادث، وبعد ساعات قليلة من اتصاله بعائلته، فوجئت والدته وهى تجلس فى المنزل ببعض زملائه يتوافدون على المنزل، واصطحبوا والده بحجة أن هناك مشكلة تتطلب وجود الوالد ليحلها، دون أن يخبروها بأنه توفى، وذهبوا إلى مستشفى الشرطة بالعجوزة، وعلمت والدته من الأهالى بالحادث وقالت «كان ماشى الصبح وقلبه زى الحليب.. حسبى الله ونعم الوكيل فى الظالم.. ابنى راح شهيد حسبى الله ونعم الوكيل فيهم». أشرف ضحى بروحه فى سبيل واجبه الوطنى، بعد أن حرس مع زملائه بسيارة شرطة النجدة، سيارة نقل أموال إلى هيئة البريد، حيث فوجئ بمسلحين يطلقون عليهم وابلاً من الأعيرة النارية خلال عودة سيارة النجدة، لتفيض روحه إلى ربها.