«أنا عرفت خبر استشهاد أبويا الله يرحمه من ميكروفون الجامع». لا يخفى «محمد»، 13 سنة، نجل شهيد الشرطة عبدالله الحملى الذى فارق الحياة برصاصات غادرة فى الدقهلية الأسبوع الماضى أثناء عودته من خدمة تأمين قاضى محاكمة «مرسى»، صوته المشروخ، ولا نبراته المهزومة، لكن عينيه ثابتتان فى صلابة وفخر طفولى بسيرة والده، بينما يحكى عن تلك اللحظة المريرة التى علم فيها بالخبر. «أبويا مات وعرفت كده من ميكروفون الجامع.. حسيت برجليّا مش شايلانى، وإنى كبرت فجأة وعجزت»، ويصف حالته بعد سماع الخبر: «وقعت على الأرض مش دارى بنفسى، لا عارف أبكى ولا عارف أبقى طبيعى.. تايه والدنيا عمالة بتلف وتدور، ولما فقت لنفسى حلفت على قبره أن أحمد أخويا هيكمل تعليمه وعمرو اللى عمره سنة واحدة هاعتبره ابنى، وانا هابقى ظابط.. ومشيت من عند قبره ليلتها بعد ما قلت له نام وارتاح انت خلفت راجل». فى منزل الشهيد بقرية سندوب، لا يزال سرادق العزاء على حاله رغم مرور أكثر من أسبوع على وفاة «عبدالله»، لم تجف دموع زوجته بعد ولا والدته التى تبكيه ليلاً ونهاراً رغم حرص أهالى القرية على البقاء بالقرب من الأسرة. إيمان إبراهيم عبدالوهاب، زوجه الشهيد، لا تزال على حالها جالسة ومن حولها نساء القرية لا تتوقف عن قول: «حسبى الله ونعم الوكيل، منهم لله الظلمة حرمونى من زوجى ويتموا أولادى زى ما هو عاش يتيم، أولاده كمان هيعيشوا يُتما، ربنا ييتم أولاد الإرهابيين الخونة، زوجى مات علشان كان بيحمينا وبيكافح على أكل عيشه». وتابعت «إيمان» باكية: «كان بيراعى ربنا فى كل شىء وعمره ما دخل بيته قرش حرام، ولما أراد أن يبنى بيته على الأرض اللى ورثها من أبيه أخد قرض من بنك ناصر قيمته 18 ألف جنيه، وحسبوه له 23 ألف، وكان بيسدد كل شهر 300 جنيه، واحنا لسه مديونين بمبلغ 12 ألف جنيه للبنك وبنعيش فى البدروم اللى بناه وكان نفسه يبنى شقة أعلى البدروم علشان نعيش فيها». وأضافت: كانت بتوصل له تهديدات على موبايله وكان بيحكى لى عليها، لكن كان بياخدها كلها على إنها كلام فارغ، لأنه كان بيحرس القاضى اللى بيحاكم «مرسى»، وكان بيقول لى ربنا اللى حامينا، إحنا طول اليوم فى الشارع لأن ده دورنا وواجبنا، وكان مثالاً فى عزة النفس والإخلاص والتفانى فى عمله، وكان كلما طلب منه المستشار أن يستريح خلال عمله كان يردد «أخوك الصغير فداك يا باشا»، فهو عمل اللى عليه، وعلى وزير الداخلية أن يعمل اللى عليه تجاه أولاد الشهيد وتجاه ديونه اللى مات بيها، لأنه لا يستطيع أن يسددها. أما الحاجة زينب جعفر، والدة الشهيد، فقالت: «عبدالله» كان نور عينى بعد أن فقدت البصر من 15 سنة وكان يقضى كل احتياجاتى ولا يذهب إلى عمله كل يوم إلا بعد أن يطمئن علىّ، وكانت حياته كلها فى شغله لأنه ليس عنده أرض أو أى عمل آخر. وأضافت: قبل استشهاده بيوم قال لى يا أمى أنا حاسس أننى سأستشهد قريباً، وهذا ما أتمناه اليوم قبل الغد وأن يجعلنى الله فى منزلة الشهداء، وسيأتى يوم أذهب فيه إلى عملى وأرجع لكم بكفن، لأن هذا شرف لا يناله أى إنسان، وفعلاً رجع لى فى الكفن زى ما قال وكل ما أفتكر إنه فى الجنة عند ربنا، أصبر وادعى له ولأولاده. محمد عبدالله، شقيق الشهيد الكبير، قال: أنا اللى مربيه بعد ما أبونا مات وعبدالله كان عمره 9 سنوات، وكنت أعامله مثل ابنى تماماً وسافرت السعودية والأردن وعملت كهربائى سيارات حتى أصبت بانزلاق غضروفى وأصبحت لا أقدر على العمل، وكان هو اللى اتحمل المسئولية وكنت باعتمد عليه فى كل شىء. وأضاف أن خبر وفاته كان صدمة للقرى كلها التى خرجت بالكامل فى جنازة لم تشهدها أى قرية من قرى المركز من قبل والجميع هتف ضد الإخوان القتلة اللى قتلوه بثلاث رصاصات فى ظهره، فما ذنب هؤلاء الأطفال الذين تيتموا؟ فهل هذا هو الجهاد فى سبيل الله الذى يدعو إليه الإخوان؟ وذكر أن الشهيد تلقى على مدار شهرين رسائل على هاتفه المحمول بها تهديد بالقتل، و«بعد معرفتى بوفاته طالبت أهل القرية بالتنبيه بمكبرات الصوت بالمساجد بعدم حضور أى إخوانى دفن أخى والتأكيد عليهم بعدم الحضور لتقديم واجب العزاء. وناشد شقيق الشهيد وزير الداخلية والمحافظ ومدير الأمن، سرعة القصاص لأخيه وتوفير فرصة عمل لزوجة الشهيد لأنها حاصلة على دبلوم وربة منزل، لكى تستطيع أن تكمل مشوار زوجها فى تربية أولادهما