إذا كتبت كلمة «الألش» على محرك البحث «جوجل»، لظهر لك نحو ثلاثة ملايين رابط، أى ثلاثة ملايين موضوع منشور يتحدث عن هذا المصطلح، أما إذا بحثت على موقع «يوتيوب»، فسيظهر لك نحو ألفى نتيجة؛ أى ألفا مادة مصورة خاصة بالموضوع نفسه. من بين العناوين التى ستجدها تحت اسم «ألش» كلام من نوع: «ألش جامد»، و«ألش رخم»، و«ألش أصلى»، و«صباح الألش»، و«استديو الألش»، و«لقد وقعنا فى الألش»، و«احنا فى زمن الألش»، و«يوم الألش العالمى». حاول أحد المنتديات الرائجة تعريف كلمة «الألش»؛ فقال إن هناك «نوعين من (الألش): (ألش) عادى، و(ألش) هادف. بالنسبة إلى (الألش) العادى، فكان فيه وخلص. أما (الألش) الهادف؛ فله هدفان: الهدف الأول هو الضحك أو إصابة السامع بالشلل، أما الهدف الثانى.. فطلع أوفسايد». يمكن أيضاً أن تجد المعنى ذاته تحت كلمة «قلش»، ورغم أن المصريين ينطقون القاف ألفاً إذا تحدثوا العامية، فإن بعض الفعاليات «الجادة» التى تناولت الظاهرة نفسها عبرت عنها بكلمة «قلش» مستخدمة حرف القاف. من تلك الفعاليات مثلاً محاضرة ل«القلاشين الجدد» على «يوتيوب»؛ وفيها يحاول أحد «المتخصصين» إعطاء نصائح محددة للراغبين فى العمل فى مجال «الألش». ومن تلك النصائح مثلاً، كما قال، «ضرورة أن يتابع (الألاش) التطورات السياسية بدقة واهتمام بالغين، لأن (الألاش) الجيد يجب أن يكون ملماً ومطلعاً على الأحداث المهمة والتصريحات السياسية للقادة والمسئولين والشخصيات العامة، ليستخدمها فى (الألش).. إذ إن التجديد ضرورة أيضاً فى هذا الصدد». كما ستجد أيضاً تصنيفاً لأهم «الألاشين»، ومحاولات للتعليق على أسلوب كل منهم وتمييزه عن أسلوب نظرائه، إضافة طبعاً إلى بعض المحاضرات عن كيفية التفرقة بين «النكتة العادية» من جهة، و«الألش» من جهة أخرى. تدخل المفردة اللغة العامية المصرية إذن، وتتمركز فيها بقوة، وتصبح جزءاً من القاموس الذى يستخدمه المصريون، وخصوصاً جيل الشباب منهم؛ وهو أمر لا يقتصر على طبقة بعينها، بل يمتد ليشمل كل الطبقات. وبموازاة هذا الانتشار المذهل فى ثقافة «الألش» ضمن المجال العام المصرى، فإن هناك صناعة ل«الألش» بدأت تزدهر ويتزايد الاهتمام بها، كما يبدو أنها أيضاً تجلب الكثير من الأموال. ليس المقصود بصناعة «الألش» ما يقدمه بعض «نجوم» السينما فى مصر، الذين أخذ بعضهم يحول النسق الإبداعى المركب للحالة السينمائية، فى بلد عرف صناعة سينما محترمة وملهمة على مدى عقود طويلة، إلى مجرد «وصلات من الإيفيهات الفجة غالباً والرخيصة أحياناً»، ولكن المقصود أيضاً هو بزوغ وازدهار «صناعة ألش» موازية على الفضائيات وموقع «يوتيوب». أكثر الإعلاميين تحقيقاً للمكاسب المالية، واستمتاعاً بالشهرة والمجد والرواج فى مصر اليوم ليسوا سوى كبار «الألاشين». لقد أقامت بعض القنوات الفضائية المعروفة مسابقات تحت اسم «استاند أب كوميدى»، لكنها فى الواقع لم تكن سوى «مباريات فى الألش» بين مجموعة من الراغبين فى تحقيق النجومية عبر الصناعة المزدهرة الجديدة. وعلى موقع «يوتيوب»، ستجد كل يوم أشخاصاً يصورون حلقات هزلية تعتمد صيغة «الألش»، ويجتهدون فى ترويجها وتأمين أكبر قدر من التفاعل معها، على أمل أن يصبحوا «ألاشين» محترفين. «الألش» فى مصر اليوم رياضة وطنية أهم من «كرة القدم»، وصناعة مزدهرة لا تجاريها صناعة، وأسلوب تعامل فى طبقات عدة، ومحاولة للسخرية من كل شىء، وانتقاد كل شىء، ورفض كل شىء، بداعى أن «الألاش» معصوم من الخطأ فى مجتمع من الغارقين فى الخطيئة، وحاد الذكاء فى مجتمع من الأغبياء، وحر ومستقل فى مجتمع من الأذلاء والمسلوبين، ووطنى حقيقى فى مجتمع من مدعى الوطنية ومحترفى الرياء، ومبصر وحيد فى مجتمع من العميان. المصريون اليوم «يألشون» على كل شىء إلا «الألش» نفسه، ويسخرون من كل شىء إلا السخرية ذاتها، وينتقدون كل شىء إلا تفرغهم للنقد فقط، دون محاولة تقديم أى حل أو بديل منطقى لما ينتقدونه، ودون طبعاً أن ينتقدوا أنفسهم. سنرجع إلى الكثير من الكتابات والأبحاث التى أشارت إلى روح السخرية المتجذرة لدى الشعب المصرى، والتى تحدثت عن دور النكتة فى حياة المصريين، وأساليبهم فى مقاومة الأوجاع والمحن والتسلط والاستبداد بالحيلة القائمة على السخرية وروح الدعابة التى لا تفارقهم مهما تعاظمت الخطوب. لكن كل هذه الأدبيات، ومعها مثلها من حسن النية، ومحاولة تفهم الظروف الصعبة التى تكالبت على المصريين خصوصاً فى السنوات الأخيرة، لن تفلح جميعها فى قبول هذه الحالة المستشرية من التعويل على «الألش»، واعتباره أفضل ما يمكن فعله إزاء الواقع «المظلم التعس». المصريون «يألشون».. وهذا أمر جيد، لكن عليهم أن يفكروا فى شىء آخر إلى جانب «الألش»، لأنه وحده لن يكون كافياً لإخراجهم من واقع صعب، سبق أن خرجوا مما هو أصعب منه وأشد إحكاماً وإظلاماً، حين كانوا قادرين على أن يسخروا، ويفكروا، ويفعلوا، وينتجوا فى آن واحد.