لم ينعم شعبنا بثمار ثورته على أيدى الحكومات المتعاقبة، وفى كل الأحوال لا أعتقد أن سبب التغيير هو المطلب الشعبى الذى لم يلمس تغييراً منذ حكومة نظيف وصولاً لحكومة الببلاوى وأخيراً وزارة إبراهيم محلب، فقد أدارت حكومات ما بعد ثورة 25 يناير اقتصاد مصر بعقلية البنك والصندوق الدوليين ووفقاً لما عُرف ب«توافق واشنطن»، وذلك بالتعارض مع أهداف الثورة فى العدالة الاجتماعية. ■ لم يلمس شعبنا أى بداية لاقتصاد الثورة والذى لن يبدأ على أيدى حكومات تتحدث عن عجز الموازنة بسبب دعم المواد الغذائية، وعجز ميزان المدفوعات دون الاعتراف بأن عجز الميزان التجارى سبب رئيسى فى ذلك علاوة عن مسئوليته عن استنزاف جانب كبير من احتياطيات النقد الأجنبى لتمويل واردات سلع تضرب فى مقتل قطاعات من الصناعة المصرية. ■ حكومات تستدل على تحسن الاقتصاد أو ضعفه بالمؤشرات الاقتصادية والأرقام والإحصائيات دون اعتبار فى الحالتين لقيم العدالة فى توزيع الأعباء على المواطنين مع إصرار على تحميل معظمها للأغلبية الشعبية التى لم تلمس من ثمار الثورة سوى مزيد من الغلاء وتدهور فى الخدمات مع وضع الناس أمام خطر المزيد من تدهور أوضاعها المعيشية بالحديث الممل عن ضرورة إلغاء دعم السلع الغذائية لإصلاح عجز الموازنة العامة وتحويله لدعم نقدى يتبخر عند أول صرفية له. ■ تجاهل حقيقة أن التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية تتطلب إدراك أن الأدوات القديمة فى إدارة الاقتصاد وأفكار الليبرالية المتوحشة لم تعد تصلح، بل هى خطر على استمرار الثورة وتهدد بعودة الاستبداد فى أبشع صورة له، كما أن عملية تطوير الاقتصاد تحتاج لرؤية وأفكار محلية ولا تستورد من المؤسسات المالية الدولية أو مفكرى الخصخصة والعولمة فى أمريكا والاتحاد الأوروبى. ■ تتغير الحكومات وتبقى القوانين والقرارات الوزارية منذ عهد مبارك لتتحكم فى أداء الوزارات لتواصل تنظيم عمليات الفساد، وتظل الوزارات هيئات مركزية لا تصل للمواطنين ولا يُسمح لهم بالوصول إلى قادة تلك الوزارات لمناقشتهم أو التظلم منهم. ■ إعلان كل حكومة أنها بصدد مجموعة من الإجراءات الاقتصادية للإنقاذ دون أن تقول إنقاذ من؟ إنقاذ الشعب وقواه المنتجة من البؤس والتهميش أم إنقاذ فوضى السوق فى الإنتاج والتوزيع وحماية الاحتكارات فى بعض قطاعات الصناعة وتجارة الواردات الغذائية الاستراتيجية ومافيا الأراضى الصحراوية وبناة القصور والمساكن الفاخرة؟ ■ ماذا تبقى لتدافع عنه أى حكومة كإنجاز لها؟ هل تعيد علينا حكومة محلب نغمة الصبر على التعديلات الاقتصادية وحزمة الإجراءات المنشطة للسوق، والصبر لأنها مؤلمة فى المدى القصير وحاملة للسعادة فى المدى البعيد؟! وإذا كانت هذه النغمة مناسبة للمستفيدين من الوضع القائم، فإنها لا تطرب أذهان الشباب الذين قدموا عمرهم ثمناً لإنجاح الثورة من أجل الخبز والعمل والكرامة الإنسانية، وماذا لو انصرف الشباب عن المشاركة فى هموم الوطن؟ هل يبقى لمرشحى مجلس النواب المقبل من عوامل قوة لكسب الأصوات سوى التحالفات غير الديمقراطية من نوعية المسلم ضد المسيحى، والرجل فى مواجهة المرأة، والقبيلة والجماعة أبقى من الوطن؟ طبعاً مع طوفان الرشاوى المالية التى لن نعرف مصدرها. ألا يمهد ذلك الطريق إلى اشتداد عود وصلابة الاتجاهات الإرهابية والاستبدادية وتقدمها لملء الفراغ الناتج عن انسحاب الشباب وضعف القوى الليبرالية وتآكل مصداقية الحكومة فى دفاعها عن أهداف الثورة. ■ على الحكومة الجديدة أن تعلم أنه لم يعد لشعبنا من قوة تحركه حفاظاً على دولته وسلامة وحدته إلا العناد ضد الإرهاب والإصرار على هزيمته متشبثاً فى ذلك بالأمل والثقة فى إرادته وليس حكومته التى أعلن فى مواجهتها درجة الإنذار القصوى، لتبحث وبكل جدية عن مخرج لمأزقها أمام شعبها بأدائها الممل الذى لا ينتج إلا الماضى قبل 25 يناير و30 يونيو بكل فظاعته وظلمه وفساده وعجزه، ولن تفلح الحكومة فى إخفاء هذا الوجه مهما تخفت خلف عمليات تجميل، ولن ينقذها من لحظة الانفجار شهادات بتحسن أداء البورصة أو تحسن المؤشرات الاقتصادية. ■ علينا جميعاً أن نستمع لصرخة كتيبتنا الثورية المتقدمة وهم الشباب فى القرى والنجوع ومنهم أبناء شهدائنا من شباب الجيش والشرطة الذين يصرخون فى وجوهنا كاشفين عجزنا عن مجرد البدء فى الانتقال لطريق العدالة الاجتماعية، متسائلين: إلى متى يظل ملف العدالة مغلقاً تتوارثه الحكومات المتتالية؟ ولن يفلح نقاش عقيم حول المتسبب فى ذلك، وسوف ندفع جميعاً ثمناً باهظاً لمنهج يهدد بأن ينقلب قلب الثورة النابض على حكومة وسلطة فشلت فى إدارة شئون الوطن الاقتصادية والاجتماعية وحتى الأمنية.