تحدثت بالتليفون مع أخى وصديقى الدكتور خالد حنفى، استشارى طب وجراحة العيون بالمعاهد التعليمية، وتركز حوارى معه حول الحول وأنواعه، وخلصت من الحوار إلى أن من أنواع الحول نوعا يلاحظه الآباء والأمهات على أطفالهم، وعلمت منه أن علاج هذا الحول ممكن بالجراحة أساسا وبغيرها أحيانا، أما إذا أهمل العلاج فإن إحدى العينين على المدى الطويل تقل وظيفتها بشكل درامى، بينما يبقى شكلها طبيعيا وجميلا. قارنت هذه الحقيقة الطبية وتأملت فى أحوالنا السياسية ووجدت أن تصرفات بعض الساسة يمكن وصفها بالحول السياسى، وفى الغالب الأعم يكون أصحاب هذه الحالة طبيعيين فى مظهرهم، بل قد يوصفون بالشياكة والأناقة فى ملبسهم وطريقة حديثهم، وقد يرتدون أفخم أنواع النظارات الطبية أو الشمسية، لكنهم فى ذات الوقت لا يرون الأحداث السياسية بوزنها الطبيعى أو بدلالتها الحقيقية، خذ على ذلك مثالا ما حدث يوم الجمعة 24 أغسطس فإن واحدا من العاملين بالساحة السياسية قدر المشاركين بملايين ثلاثة أو أربعة، بينما عدسات القنوات الفضائية أوضحت بجلاء أن عددهم يقدر بمئات تعد على أصابع اليد الواحدة، هذا على أحسن تقدير، بينما رأى بعض شهود عيان (ممن لا يعانون من مرض الحول) أن عددهم كان بالعشرات. وقد كان من الطرائف أن ينصح صاحب التقديرات المليونية أن يرتدى الناس نظارات طبية تحسن قدرتهم على الإبصار حتى يستطيعوا أن يروا الملايين التى رآها وحده. وأوضح من ذلك ما قيل عن السيد الرئيس حال انتخابه من كونه رئيسا بروتوكوليا دون صلاحيات، فلما انتزع صلاحياته وأعاد المجلس العسكرى إلى وظيفته الأساسية علت الأصوات بانتقاده فى كلا الموقفين، ولما غاب مجلس الشعب عن الساحة التشريعية بفعل فاعل، ثم آلت تلك السلطة إلى السلطة الوحيدة المنتخبة فى البلاد وهى رئيس الجمهورية عاب كثيرون على هذا الوضع واصفين إياه بالتكويش السلطوى وغاب عن العيون المبصرة أن سبب ذلك هو التغييب المتعمد لمجلس الشعب. وامتد الحول السياسى إلى ما تخطه الأقلام على صفحات الجرائد وما تمتلئ به الفضائيات من حوارات حتى اختلط النقد المباح -وإن كان لاذعا- مع القذف والسب بأقذع الألفاظ، وظهر الكيل بمكيالين؛ أحدهما ينتصف لإحدى الممثلات؛ لأن قناة دينية قد انتقدتها، بينما لم ينتصف أحد لصاحب أعلى سلطة فى البلاد حينما تم سبه وشتمه والدعوة إلى الانقلاب عليه وتغافلت الكثرة الغالبة عن أولى الممارسات التشريعية لرئيس البلاد حينما ألغى الحبس الاحتياطى فى جرائم النشر. إن مصر فى حاجة إلى التخلص من كافة أنواع الحول السياسى والسلطوى والإعلامى وذلك يستدعى تشخيصا جيدا لكى نفرق بين «الحول»، الذى هو ظاهرة مرضية، و«الحور» الذى هو علامة حسن وجمال للعيون، إننا لا نقبل الحول لكن كثيرا منا قد يكون متيما بالحور مع الشاعر الذى قال: إن العيون التى فى طرفها حور*** قتلننا ثم لم يحيين قتلانا يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به***وهن أضعف خلق الله إنسانا