أعرب الاتحاد الأوروبي عن قلقه البالغ، من احتمال توقف العمل بمعاهدة الأسلحة النووية متوسطة المدى، بين واشنطنوموسكو، بعد نحو 3 أسابيع من الآن، تثير مخاوف عدة بشأن "سباق تسلح" قد يعيشه العالم مرة أخرى، وأمس، حث الاتحاد الأوروبي روسيا على الاستمرار في التزامها بالمعاهدة، بعد تعليقها مشاركتها فيها، وسبقتها في الخطوة واشنطن. وقالت مفوضة شؤون السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، المنتهية ولايتها فيديريكا موجيريني، في بيان، إنها تأسف للخطوة التي اتخذتها روسيا، ردا على تعليق الولاياتالمتحدة لمشاركتها، وأبدت "موجيريني" قلقها الشديد من نظام صواريخ كروز الأرضية الروسي، التي يقول حلف شمال الأطلسي "ناتو" إنها تندرج تحت الأسلحة التي تحظرها المعاهدة. وقالت: "نحن قلقون جدا من التطورات الأخيرة المتعلقة بالمعاهدة، التي يمكن أن تنتهي في 2 أغسطس 2019"، مضيفة أن: "الأيام المقبلة تمثل الفرصة الأخيرة للحوار، واتخاذ الإجراءات الضرورية للحفاظ على هذا الركن المهم في بنية الأمن الأوروبي". ويتساءل الأوروبيون، هل يشتعل سباق تسلح جديد؟ بعد أن قررت كل من روسياوالولاياتالمتحدة، التخلي عن معاهدتهما التاريخية بشأن الصواريخ متوسطة المدى، فبادرت واشنطن حينها بتعليق الالتزام بالمعاهدة، بزعم انتهاك الروس لها، وردت موسكو بالمثل بلا تردد، وعمليا ينتهي العمل بالمعاهدة بعد 6 أشهر من قرار الانسحاب، أي بحلول الثاني من أغسطس من العام الجاري. ويرى الأوروبيون أن الفرصة ما تزال قائمة إذا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وأمام هذه الأهمية، على روسيا وفق الاتحاد الأوروبي الاستجابة بفاعلية للمخاوف المرتبطة بتطوير واختبار ونشر نظامها الصاروخي البري 9M729. والمقلق أكثر، أن إلغاء العمل باتفاقية الصواريخ متوسطة المدى بين الروس والأمريكيين، يهدد اتفاقية "ستارت" الجديدة التي يجري التفاوض عليها بين الطرفين، من أجل الحد من المنصات الثابتة للرؤوس النووية الاستراتيجية، وحتى اللحظة، لا إشارات تراجع من الجانبين، فدونالد ترامب بشعاره "أمريكا أولا"، يريد لبلاده أحدث الأسلحة وأقواها، ولا يقبل بغير ذلك، وروسيا فلاديمير بوتن، وفق مراقبين، تبحث عن تصنيف فعلي كقوة عظمى أولى في العالم، ويبدو الأمر وكأنها بوادر حرب باردة أخرى، تلوح في الأفق. وخلال حديثه عن اتفاقية الصواريخ متوسطة المدى، أشار الدبلوماسي الروسي السابق فياتشسلاف ماتوزوف: لا أتصور أن هناك ملامح حرب باردة، لكن طرح موضوع انسحاب الولاياتالمتحدة من معاهدة التخلص من الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى، سيكون ذلك لمصلحة روسيا وليس لمصلحة الولاياتالمتحدة. وعن الردود الروسية في حال انسحبت الولاياتالمتحدة من معاهدة التخلص من الصواريخ المتوسطة وقصيرة المدى، قال ماتوزوف لقناة "روسيا اليوم": سيكون الرد الروسي مناسبا، مع أن روسيا ترفض سباق التسلح، فذلك ليس في مصلحة لا روسيا ولا الولاياتالمتحدة ولا أي دولة، وعلى الأمريكان أن يعيدوا النظر بقرارهم الانسحاب من المعاهدة، وهذا ما قاله الرئيس بوتين في أثناء لقائه مع مستشار الرئيس الأمريكي للأمن القومي جون بولتون، فالأمريكان يريدون الانسحاب من المعاهدة ولا يقدمون أفكارا جديدة، لكن لدى روسيا صواريخ كاليبر المجنحة التي جرى استخدامها ضد الإرهابيين في سوريا، هذه الصواريخ يمكن تطويرها أكثر فيما لو انسحبت الولاياتالمتحدة من المعاهدة، وروسيا تقترح تعديل المعاهدة القديمة، والأمريكان لم يتناولوا هذا الموضوع، وأصلا هم لم يدمروا الصواريخ المتوسطة وقصيرة المدى التي لديهم حسبما جاء في المعاهدة التي جرى التوقيع عليها بين رونالد ريجان وميخائيل غورباتشوف. وأضاف "مانوزوف"، أن الطرف الأكثر تضررا من انسحاب الولاياتالمتحدة من المعاهدة، هو الطرف الأوروبي، لأن الصوريخ المتوسطة وقصيرة المدى يمكن لها أن تصل إلى برلين وباريس ولندن وليس إلى واشنطن ونيويورك، وفيما إذا بدأ الأمريكان بسباق تسلح فهم سوف ينشرون صواريخ المتوسطة المدى في أوروبا دون إذن، لكن أوروبا لا توافق على هذا العمل، لذلك تبقى فكرة الانسحاب من المعاهدة هي فكرة ترامب لا أقل ولا أكثر، ولا يستطيع الأمريكيون أن ينفذوا هذه الفكرة دون التنسيق مع الأوروبيينن وإذا أرادت الدول الأوروبية أن تعرض مصيرها لضربة نووية روسية فاليوافقوا، لكن من المؤكد لن يوافقوا. وقالت مجلة "ناشيونال إنترست" الأمريكية، إن واشنطن تلقي اللوم على روسيا، في إعلانها المحتمل الانسحاب من المعاهدة النووية، بزعم انتهاك موسكو للمعاهدة، مضيفة: "لكن هدف واشنطن من الانسحاب من الاتفاقية هو الدخول في حقبة جديدة من المنافسة الاستراتيجية مع الصين في مياه المحيط الهادئ جنوب شرق آسيا، بحسب المجلة". ولأن الصين لم توقع على المعاهدة، فإنها تطور قدرات صاروخية تعتبرها واشنطن تهديدا لقواتها في المحيط الهادئ، جنوب شرق آسيا. ونقلت مجلة "ذي إيكونوميست" عن كريستوفر جونسون، عميل وكالة الاستخبارات الأمريكية "سي آي إيه" السابق: "يمكن للأيام الأولى أن تحدد مصير أي حرب مستقبلية، وامتلاك قدرات عسكرية تمكن أمريكا من الوصول إلى قلب الأراضي الصينية يمثل أهمية كبيرة بالنسبة للجيش الأمريكي في أي مواجهة مع الجيش الصيني". وأضاف: "إذا لم تملك أمريكا القدرة على ضرب قواعد الصواريخ المضادة للسفن، الموجودة داخل الأراضي الصينية، ستقتصر قدراتها العسكرية في المنطقة على قواعدها الموجودة في اليابان، وسيكون إرسال سفنها الحربية إلى المياه القريبة من سواحل الصين مخاطرة غير مقبولة".