المرصد المصري للصحافة والإعلام يُطلق حملة تدوين في "يوم الصحفي المصري"    البابا تواضروس يدشن كنيسة القديس الأنبا أبرآم في ذكراه ال 110 بالفيوم    محافظ السويس يكرم أوائل الإعدادية العامة والأزهرية    الجريدة الرسمية تنشر قرار نزع ملكية الأراضى بمسار محور الفشن ببنى سويف    اقتراح برلماني بتشريع خاص بحماية التراث الثقافي غير المادي    «المشاط» تبحث مع رئيس بنك التنمية الجديد التعاون والفرص المتاحة لتعزيز العلاقات المشتركة    جيش الاحتلال ينسحب من مخيم الفارعة بالضفة الغربية بعد اقتحام دام 15 ساعة وخلّف دمارا هائلا    ماكرون يعلن حل البرلمان ويدعو لإجراء انتخابات في نهاية يونيو واليمين يُعلن "استعداده" لتولي السلطة    الرئيس الأوكراني يكشف حقيقة استيلاء روسيا على بلدة ريجيفكا    غدًا.. ولي عهد الكويت يتوجه إلى السعودية في زيارة رسمية    بايرن ميونخ يحسم موقفه من بيع كيميتش.. والأهلي يتفوق على برشلونة في الصفقة    برنامج بدني خاص للاعبي الزمالك في صالة الجيمانيزيوم استعدادا لمواجهة سيراميكا كليوبترا    منتخب مصر للبليارد يحقق 4 ميداليات فى بطولة العرب والبحرين تحصد ذهبية الفرق    الحبس سنة وغرامة 5 آلاف لشخصين أحرزا سلاحا بمشاجرة بينهما في المنيا    سفر آخر أفواج حُجاج النقابة العامة للمهندسين    قصور الثقافة تواصل فعاليات ورشة إعادة تدوير المخلفات بالإسماعيلية    «برسائل حماسية».. أبطال ولاد رزق 3 يروجون للفيلم    "لا أتاجر بمرضي وعمرو كان بيطفِّش العرسان".. كواليس الإصابة بالسرطان.. تصريحات تثير الجدل للإعلامية لميس الحديدي    عضو «العالمي للفتوى»: يجوز للمرأة صلاة العيد في المساجد والساحات    قافلة جامعة قناة السويس الطبية تفحص 115 مريضًا ب "أبو زنيمة"    وزير التعليم العالي يسافر إلى روسيا للمشاركة في اجتماع الدول الأعضاء في "البريكس"    أخبار الأهلي : 5 مرشحين لخلافة علي معلول فى الأهلي    ليونيل ميسي يشارك في فوز الأرجنتين على الإكوادور    رحلة العائلة المقدسة إلى مصر حماية للمسيحية في مهدها    حورية فرغلي دكتورة تبحث عن الحُب في مسلسل «سيما ماجي»    جمع مليون جنيه في ساعتين.. إخلاء سبيل مدرس الجيولوجيا صاحب فيديو الدرس الخصوصي بصالة حسن مصطفى    "بايونيرز للتنمية" تحقق أرباح 1.17 مليار جنيه خلال الربع الأول من العام    هيئة الدواء تقدم الدليل الإرشادي لتأمين أصحاب الأمراض المزمنة فى الحج    وزارة الأوقاف: أحكام وصيغ التكبير في عيد الأضحى    مستشفيات جامعة أسوان يعلن خطة الاستعداد لاستقبال عيد الأضحى    مجلس الوزراء: إجازة عيد الأضحى 5 أيام مدفوعة الأجر    توفير فرص عمل ووحدات سكنية ل12 أسرة من الأولى بالرعاية في الشرقية    اسكواش - مصطفى عسل يصعد للمركز الثاني عالميا.. ونور الطيب تتقدم ثلاثة مراكز    «القومي للبحوث» يوضح أهم النصائح للتغذية السليمة في عيد الأضحى    تشكيل الحكومة الجديد.. 4 نواب في الوزارة الجديدة    إعلام إسرائيلى: قتلى وجرحى فى صفوف الجيش جراء حادث أمنى فى رفح الفلسطينية    ياسمين عبد العزيز ترد على رسالة أيمن بهجت قمر لها    «مودة» ينظم معسكر إعداد الكوادر من أعضاء هيئة التدريس بالجامعات    مفاجأة مثيرة في تحقيقات سفاح التجمع: مصدر ثقة وينظم حفلات مدرسية    الرئيس الروسي يزور كوريا الشمالية وفيتنام قريبا    أفيجدرو لبيرمان يرفض الانضمام إلى حكومة نتنياهو    الأوقاف: افتتاح 27 مسجدًا الجمعة القادمة| صور    وزيرة الهجرة: نعتز بالتعاون مع الجانب الألماني    أمين الفتوى بدار الإفتاء يوضح آداب ذبح الأضاحي في عيد الأضحى (فيديو)    تأجيل محاكمة المتهم بقتل زوجته ببسيون لشهر سبتمبر لاستكمال المرافعات    تاريخ فرض الحج: مقاربات فقهية وآراء متباينة    مطلب برلماني بإعداد قانون خاص ينظم آليات استخدام الذكاء الاصطناعي    "أتمنى ديانج".. تعليق قوي من عضو مجلس الزمالك بشأن عودة إمام عاشور    ضياء رشوان: لولا دور الإعلام في تغطية القضية الفلسطينية لسحقنا    سرقا هاتفه وتعديا عليه بالضرب.. المشدد 3 سنوات لسائقين تسببا في إصابة شخص بالقليوبية    صندوق مكافحة الإدمان يستعرض نتائج أكبر برنامج لحماية طلاب المدارس من المخدرات    وزير التعليم العالي يستقبل وفدًا من مجموعة جنوب إفريقيا للتنمية «SADC»    أخبار الأهلي : ميدو: مصطفى شوبير هيلعب أساسي على الشناوي و"هو ماسك سيجار"    جالانت يتجاهل جانتس بعد استقالته من الحكومة.. ما رأي نتنياهو؟    مناسك (4).. يوم التروية والاستعداد لأداء ركن الحج الأعظم    جامعة القاهرة تطلق قافلة تنموية شاملة لقرية الودي بالجيزة    حالة الطقس المتوقعة غدًا الثلاثاء 11 يونيو 2024| إنفوجراف    النسبة التقديرية للإقبال في انتخابات الاتحاد الأوروبي تقترب من 51%    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاقتصاد بين الحكم المدني والعسكري
نشر في الوطن يوم 28 - 08 - 2012

تشهد الساحة المصرية جدلا واسعا حول وضع المؤسسة العسكرية في الاقتصاد المصري و تحديدا عن خضوع ميزانيتها للرقابة الشعبية و دور الجيش في الاقتصاد من خلال استثماره في العديد من القطاعات وأخيراً الحديث عن وضع خاص للمؤسسة العسكرية في الدستور.
وفي ذلك تشابه الدور الاقتصادي للجيش في مصر مع عدة دول شهد معظمها عددا من الانقلابات العسكرية نعرض منها تركيا وباكستان وتشيلي والتي تفاوتت فيها سيطرة العسكريين على الحكم بناءً على مدى قوة التيار السياسي المدني وبالتالي أختلف مدى تحكم المؤسسة العسكرية في ادارة الاقتصاد.
هل تدمر المؤسسة العسكرية الاقتصاد التركى ؟
على الرغم من وضوح دور جنرالات المؤسسة العسكرية التركية في الحياة السياسية في تركيا خلال العصر الحديث والذى ظهر جلياً في قيام المؤسسة العسكرية بثلاثة انقلابات في الفترة من ( 1960- 1980)، إلا ان دور هذه المؤسسة في الحياة الاقتصادية ظل إلى فترة طويلة من الأمور المسكوت عنها خاصة في ظل استغلال هذه المؤسسة للسلطات المخولة لها عقب الانقلاب العسكري لتحصين وضعها الاقتصادي والمالي بمواد دستورية، حيث نص دستور 1971 على ان الانفاق العسكري والأصول والممتلكات المملوكة لتلك المؤسسة لا تخضع لأى رقابة، وعلى الرغم من أن هذا المبدأ تم إلغاءه في عام 2003 في سياق محاولات الحكومة التركية لإحداث تعديلات دستورية من شأنها تحقيق التوافق المطلوب مع تشريعات الاتحاد الأوروبي إلا انه في الواقع العملي مازالت اقتصادات الجيش التركي محصنة إلى حد كبير من الإشراف والرقابة.
و تمارس المؤسسة العسكرية دورها في الاقتصاد التركي عبر ثلاثة قنوات :
أ‌) الإنفاق العسكري: حيث يعد من أهم بنود الموازنة العامة والذى يلتهم جزء كبير من الانفاق الحكومي، وعلى الرغم من خفض الانفاق الموجه لبنود شديدة الأهمية كالتعليم والصحة في فترات الأزمات الاقتصادية التي مر بها الاقتصاد التركي ، إلا ان وضع الإنفاق العسكري في الموازنة العامة لم يتأثر. و قد شكل هذا الإنفاق ما يقرب من 14% من إجمالي الانفاق الحكومي في الفترة (1998-2008). و الجدير بالذكر أنه في عام 1986 تم إنشاء صندوقاً لدعم الصناعات الدفاعية الوطنية و الذى قُدر دخله بما يقرب من 2.5 مليار دولار سنوياً وهو ما فاق الميزانية المخصصة لعشرة من الوزارات التركية مجتمعة في عام 2007.
ب‌) صندوق القوات المسلحة للضباط المتقاعدين: أنشئ في عام 1961 عقب الانقلاب العسكري الأول، وكان هدفه وقتئذ توفير منافع اقتصادية ومساعدات اجتماعية لأفراد الجيش التركي إلا انه، وبخلاف اهدافه المعلنة، أصبح يمثل تكتل اقتصادي كبير امتد ليشمل أغلب الانشطة الاقتصادية والاستثمارية. حيث تغلغل في الصناعات البترولية، والسيارات، والحديد والصلب، والإسمنت، والصناعات الغذائية، والسياحة، والبنوك وغيرها من الصناعات. و قد استطاع الصندوق منذ إنشائه ان يحقق استفادة قصوى من السياسات الاقتصادية السائدة، ففي ظل سياسة "التصنيع من أجل الإحلال محل الواردات" والتي سادت في الفترة (1960-1980) تمكن الصندوق من تحقيق أرباح طائلة عبر الاستثمار في الصناعات التي قررت الدولة فرض الحماية عليها مثل السيارات، والحديد والصلب، حيث قامت الدولة في تلك الفترة برفع الجمارك على السلع المستوردة من هذه الصناعات وفى بعض الأحيان منعت الاستيراد كلية بالإضافة إلى تقديم الإعفاءات الضريبية والدعم المالي لمنتجي تلك السلع. ومع اتجاه تركيا لليبرالية الاقتصادية و قيامها بتنفيذ روشتة الإصلاح الاقتصادي المُقدمة من صندوق النقد الدولي والتي فرضت خصخصة الكثير من الشركات العامة، نجح الصندوق في تحقيق ارباح هائلة من خلال شرائه للكثير من الشركات العامة كالسيارات والحديد والصلب مستغلاً في ذلك النزعة القومية السائدة في تلك الفترة والتي طالبت رأس المال التركي بالتحرك لإنقاذ الشركات التركية -وخاصة ذات الأهمية الاستراتيجية منها- من الوقوع في براثن رأس المال الأجنبي. وتُعامل الشركات التابعة لهذا الكيان معاملة الشركات المملوكة للدولة من حيث الامتيازات التي تحصل عليها سواء في صورة إعفاءات ضريبية او دعم مالي. كل ذلك كان من شأنه جعل هذا التكتل الاقتصادي واحد من أكبر ثلاث تكتلات اقتصادية في تركيا على مدار العقد المنصرم. ففي عام 2008 أصبح هذا الصندوق يمتلك أسهم في 50 شركة ( ويمتلك نصيب الأسد من أسهم 46 شركة منهم). وقد نجح الصندوق في تحقيق وضع احتكاري في كثير من الصناعات الهامة مثل صناعة الاسمنت، والسيارات، والحديد والصلب، بما يعنيه ذلك من سيطرة المؤسسة العسكرية على كثير من مفاصل الحياة الاقتصادية في تركيا.
ت‌) الصناعات العسكرية: ترجع الرغبة في إنشاء صناعة عسكرية تركية إلى بدايات الجمهورية التركية في عشرينات القرن الماضي، إلا ان بداية تحقيق خطوات جادة نحو تحقيقها لم تتأتى إلا عقب الغزو التركي لقبرص في عام 1974 و ما تبعه من إعلان الولايات المتحدة حظر تصدير الأسلحة لتركيا. ومنذ ذلك الحين تم توجيه مليارات الدولارات للاستثمار في الصناعات الحربية مما أسهم في وصول معدل الاكتفاء الذاتي من الأسلحة فى تركيا إلى 25% في عام 2003، ثم ارتفع ليصل إلى37.65 في عام 2006 ، واستمر في الارتفاع حتى بلغ 44.2% في عام 2008. وفى سبيل تحقيق مستويات عالية من الاكتفاء الذاتي، تم السماح للقطاع الخاص بالاستثمار في الصناعات العسكرية و نتيجة للأرباح الكبيرة المتولدة في هذا القطاع فضلت كثير من الشركات الخاصة الاستثمار فيه بدلاً عن الاستثمار في قطاعات أخرى لا تقل عنه أهمية ولكنها لا تضاهيه في معدلات الربحية.
ويطرح وجود المؤسسة العسكرية بتلك الصورة المكثفة في الاقتصاد التركي إشكاليتين اساسيتين:
الإشكالية الأولى ترتبط بمدى إمكانية استغلال المؤسسة العسكرية لإمكاناتها الاقتصادية لتكوين ظهير مالى يُمكنها من الضغط على القوى المدنية الحاكمة لتمرير ما تريده من قرارات قد ترى فيها تحقيقاً لمصلحتها، أو التدخل فى العملية الانتخابية منذ البداية عن طريق دعم مرشحين بعينهم مادياُ للحيلولة دون وصول اى من معارضى تغول المؤسسة العسكرية إلى السلطة. و بالتالى تستمر الحلقة المفرغة التى تقود فى كل مرة إلى الإبقاء على العسكر فى وضع مميز فى الحياة العامة التركية سواء على الصعيد السياسى أو الاقتصادى.
الإشكالية الثانية: و تتعلق بمدى تأثير التوغل الاقتصادى للمؤسسه العسكرية على هيكل الاقتصاد القومى نفسه وعلى كفاءة عمل آليات السوق به. فقد ارتبطت الأرباح الطائلة المتحققة فى قطاع الصناعات الحربية بإعادة توجية الاستثمارات من قطاعات اخرى إليه ،وعلى الرغم من أهمية هدف تحقيق الاكتفاء الذاتى من الصناعات الحربية إلا ان التوسع المبالغ فى الإنفاق على صناعة التسلح غالباً ما يأتى بتأثير سلبى على الاقتصاد سواء من خلال نقص الموارد المتاحة لقطاعات أخرى لا تقل أهمية عنه، أو من خلال تعميق مشكلة البطالة حيث أن قدرة هذا القطاع على توليد فرص العمل اقل كثيراً من قطاعات أخرى كالتعليم و الصحة وغيرها. فعلى الرغم من كل تلك المليارات الموجهة لقطاع الصناعات الحربية لم تتعدى القوى العاملة به 17841 عامل. ايضا تتسبب الامتيازات التى تحصل عليها الشركات التابعة إلى المؤسسة العسكرية ،سواء فى صورة إعفاءات ضريبية أو دعم من الدولة ، فى إحداث اختلالات فى السوق نظراً لما ينتج عنها من خلق جو من المنافسه غير العادلة لا تستطيع كثير من الشركات الأخرى مجاراتها بسببه، و علاوة على ذلك فإن قرب المؤسسة العسكرية من دوائر السلطة كثيراً ما يخل بإحدى القواعد الذهبية لاقتصادات السوق وهى العلم المتزامن بظروف السوق بمعنى أن المؤسسة العسكرية قد تستطيع ان تحصل على معلومات مسبقة عن القرارات الاقتصادية التى سيتم اتخاذها. ايضاً يأتى تعيين ضباط الجيش المتقاعدين كمستشارين للشركات الكبرى ، ليضرب بعرض الحائط بمعايير الكفاءة نظراً لضعف خبراتهم بالأمور الاقتصادية.
و على ذلك فإنه على الرغم من أهمية دور المؤسسة العسكرية فى حماية أى دولة من الأخطار الخارجية إلا أن امتداد هذا الدور للقيام بأنشطة أقتصادية أو سياسية من شأنه الإضرار بهيكل الاقتصاد القومى و إحداث اختلالات فى السوق و يمثل تهديداً لمدنية الدولة فى كثير من الأحيان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.