بحث الإعلاميون عن كثير من حقوقهم وملأوا الدنيا حديثاً ودعوة لحرياتهم، وقالوا إن حرياتنا هى فى جوهرها حريات المجتمعات بأسرها، إننا الرئة التى يتنفس من خلالها البسطاء والمحرومون، إننا العين التى يرى بها المهمشون، إننا الضمير الذى إن نام ضاعت حقوق الجماهير وإن تواطأ أو تغاضى أو تفاوض شل الحق وزيف العدل. اكتسبوا حقوقاً ينبغى أن تكون لهم، وضمنوا نسبياً سلاماً قضائياً وأماناً سياسياً وإشرافاً اجتماعياً بل أحياناً رقابة ومظلة دولية وكل ذلك مفهوم ومقبول بل ومطلوب شرط أن يكون مرهوناً بحقوق مقابلة ومتعادلة للجماهير الذين يشكلون الطرف الثانى من المعادلة الإعلامية، وهو الطرف الذى احتج به الإعلاميون لإثبات حقوقهم وضروراتها العامة وليس الفئوية، فهل يا ترى أعطى الإعلاميون للجماهير حقوقها أم لا؟ إنها الحقوق التى أثبتتها الدساتير وأكدتها القوانين وحددتها التشريعات وقننتها مواثيق الشرف ولوائح العمل وصممت من أجلها إدارات للمتابعة أحياناً وللرقابة أحياناً، ولم تكن مثل هذه الإدارات مخصصة لكبت الحريات ولا لزجر الإبداع وتقليص خيال المبدعين، ولم تكن مهيأة فقط لمحاصرة المعارضة السياسية ولا لتقليص أو حجب النقد البنّاء كما يحلو للمزايدين والمدعين أن يصفوها ويقيموا أداءها عبر سنين طوال، وإنما كانت فى أساسها مخصصة لحفظ السلام الاجتماعى ولحماية ثوابت الأمة الدينية والوطنية والأخلاقية والفكرية ورسم السبل المنطقية لمناقشة تلك الأصول. التالى حوار تليفونى أجريته أمس الأول مع أحد أصدقائى وهو يعمل فى الرقابة التليفزيونية منذ 25 عاماً. ■ أريد أن أسألك: على أى أساس وبأية مرجعية ظللتم تعملون فى إدارة الرقابة؟ - حسب نصوص ميثاق الشرف الإعلامى المستقاة من مجموعة من التشريعات الإعلامية وقد كان مطبوعاً وموزعاً علينا. ■ ترى ما موقف هذا الميثاق من عدد من النماذج التليفزيونية التى تطالعنا ليل نهار مثل برنامج أو خبر يحتوى لقطات جثث مشوهة ومقطعة فهل يجوز عرضها؟ - بالطبع لا، لأنها تسبب لعديد من المشاهدين إيذاء نفسياً كما أن تكرار المشاهدة لمثل هذه اللقطات يكرس فكرة الاعتياد عليها، وهو من شأنه استسهال حدوث العنف الجسدى. ■ لو عُرضت عليك حلقة عن الأبراج أو تفسير الأحلام أو المعالجات التى تسمى روحية هل تجيز العرض؟ - لا يمكن، لأنه لدينا بند صريح يحرم تحريماً تاماً أى خزعبلات وخرافات لا تخضع لقياس علمى. ■ وماذا لو احتوت حلقة حديثاً مع أحد طرفى جريمة شاذة مثل اعتداء أب على ابنته جنسياً؟ - لا يمكن أيضاً لأن الإعلان عن مثل هذه الجرائم يشكل بصورة خفية دعاية لها، ناهيك عن أن التمادى بإجراء الحوار مع هذه الشخصيات يقلل من الإحساس بشذوذها وغرابتها وهو ما ينعكس سلبياً على البعض إذ يجدون تشابهاً ما بينهم وبين هؤلاء الشاذين، فربما يحاكونهم مع إلحاح الخواطر الشيطانية. ■ وما الموقف الرقابى من السب والقذف والإهانة والاشتباك بالأيدى؟ ضحك الصديق بمعنى أن الإجابة بديهية، قلت: وماذا عن ذكر الأشياء التى استقر المجتمع على كنايتها تعففاً من اللفظ الصريح لها مثل الملابس الداخلية، والأعضاء التناسلية، والعبارات المشيرة إلى العلاقات الجنسية؟ فقال: لنا مثل أعلى فى اللغة الإلهية التى التزمت الحياء فى ذكر هذه الأشياء، وهو ما يؤكد أن المجتمعات المتحضرة تحضراً متكاملاً ينبغى أن تلتزم هذه المنهجية، فذكرها بالطبع مرفوض، قلت: ألا تلاحظ أنه تقريباً أغلب ما يُعرض عبر الشاشات اليوم كان سيتم رفضه لو تم الاحتكام إليكم؟ قال: بالتأكيد لم يكن معظمها ليتم عرضه، ثم تساءل: لكن اسمح لى أين الرقابة الاجتماعية؟ أين الضمير الجمعى؟ أين مصر بهويتها الصلبة ومناعتها الحضارية المتينة المتأبية على كل هذه الصور المنحرفة المقتحمة الفاشية؟ فتمتمت فى نفسى: «إنه الإيدز الثقافى والحضارى الذى باتت الأمة تعانى منه فأضعف مناعتها ودمر مقاومتها وجعل هويتها مستباحة لأتفه النماذج والصور والأساليب الوافدة». ثم فجأة انتفضت قائلاً له ولى ولكم: لكن قد آن الأوان لذلك الضمير أن يستيقظ، وإنى أدعوك بعد غد الأحد فى تمام الساعة الثالثة عصراً، 88 شارع قصر العينى الدور الخامس، لحضور الإعلان عن أول كيان وحركة فعلية لحماية المشاهدين نضعها تحت عنوان حقوق المشاهد المصرى.