يجب على الدولة تقنين مواد الدستور التى يحظر فيها كل ما ينافى كرامة الإنسان، أو يعرض صحته فى السجون وأماكن الاحتجاز، أو الاتجار بأعضاء الإنسان أو التهجير القسرى التعسفى للمواطنين بجميع صوره وأشكاله مع التأكيد على أن المهمة الأولى لإعادة بناء الوطن هى القضاء على الإرهاب المادى والفكرى، الذى تقوده جماعة الإرهاب الإخوانية وحلفاؤها فى الداخل والخارج، نضيف فى مقالنا اليوم أن إعادة بناء مصر بعد الانتخابات الرئاسية القادمة تحتم تفعيل مبادئ ومواد الدستور الجديد، لترجمة ما تضمنه من نصوص إلى قوانين نافذة ونظم وإجراءات تنظم العمل فى كل المجالات، التى تشمل الحقوق والحريات العامة والالتزامات والموضوعات التى فرضها على الدولة وألزمها بضمانها وكفالتها للمواطنين. فقد أوجب الدستور على الدولة أن تضمن أموال التأمينات والمعاشات، وسلامة إجراءات الاستفتاءات والانتخابات وحيدتها ونزاهتها، وتنفيذ الالتزام بالحد الأدنى لمعدلات الإنفاق الحكومى على التعليم، والتعليم العالى، والصحة، والبحث العلمى. كذلك يجب على الدولة تفعيل مواد الدستور التى أوجب أن تتكفل بها الدولة وهى: رعاية الشباب والنشء والعمل على اكتشاف مواهبهم وتنمية قدراتهم وتشجيعهم على العمل الجماعى والتطوعى، وتمكينهم من المشاركة فى الحياة العامة، وأن تعمل على تمثيل الشباب والمسيحيين والأشخاص ذوى الإعاقة تمثيلاً ملائماً فى أول مجلس للنواب يُنتخب بعد إقرار الدستور. ويأتى فى هذا السياق أن تبادر الدولة بتوضيح النظام الانتخابى الذى يضمن تمثيل العمال والفلاحين والمرأة والشباب والمسيحيين والأشخاص ذوى الإعاقة والمصريين المقيمين فى الخارج تمثيلاً ملائماً فى أول مجلس للنواب ينتخب بعد إقرار الدستور. وعلى الدولة توضيح كيف ستكفل تحقيق المساواة بين المرأة والرجل فى جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وكيف ستضمن تمثيل المرأة تمثيلاً مناسباً فى المجالس النيابية، وكفالة حقها فى تولى الوظائف العامة ووظائف الإدارة العليا فى الدولة والتعيين فى الجهات والهيئات القضائية، دون تمييز ضدها، وحمايتها ضد كل أشكال العنف. وكيف سيتم تمكينها من التوفيق بين واجبات الأسرة ومتطلبات العمل، وكيفية توفير الرعاية والحماية للأمومة والطفولة والمرأة المعيلة والمسنة والنساء الأشد احتياجا. ويعتبر من المقومات المهمة فى تأسيس الدولة الجديدة، الإفصاح عن كيفية وفاء الدولة بالتزامها الدستورى بالحفاظ على حقوق العمال، وبناء علاقات عمل متوازنة بين طرفى العملية الإنتاجية، وكفالة سبل التفاوض الجماعى وحماية العمال من مخاطر العمل، وتوافر شروط الأمن والسلامة والصحة المهنية، ويحظر فصلهم تعسفيا، وأن تبادر الدولة إلى تعديل قانون المعاشات لضمان توفير معاش مناسب لصغار الفلاحين، والعمال الزراعيين والصيادين، والعمالة غير المنتظمة. من ناحية أخرى، فالدولة مطالبة بالإفصاح عن خطتها لتوفير مستلزمات الإنتاج الزراعى والحيوانى، وأن تعلن عن نظام شراء المحاصيل الزراعية الأساسية بسعر مناسب يحقق هامش ربح للفلاح بالاتفاق مع الاتحادات والجمعيات الزراعية. وفى مجال صيانة الحريات العامة، سيكون ضرورياً أن توضح الدولة إجراءات وضمانات تفعيل النص، بأن كل من يقبض عليه، أو يحبس، أو تقيد حريته تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامته، ومنع تعذيبه أو ترهيبه وعدم إكراهه أو إيذائه بدنياً أو معنوياً، ومدى التزام الدولة بأن تكون أماكن الحجز أو الحبس لائقة إنسانياً وصحياً، وحظر تشغيل الطفل قبل تجاوزه سن إتمام التعليم الأساسى أو تشغيله فى الأعمال التى تعرضه للخطر. كما يجب على الدولة تقنين مواد الدستور التى يحظر فيها كل ما ينافى كرامة الإنسان، أو يعرض صحته فى السجون وأماكن الاحتجاز، أو الاتجار بأعضاء الإنسان أو التهجير القسرى التعسفى للمواطنين بجميع صوره وأشكاله، وأن تكون مخالفة ذلك جريمة لا تسقط بالتقادم. كذلك فالدولة مطالبة بأن تفصح عن كيفية تنفيذ حظر التعدى على حرمة البيئة النهرية أو الإضرار بها وحظر التعدى على بحار مصر وشواطئها وبحيراتها وممراتها المائية ومحمياتها الطبيعية. أو تلويثها، أو استخدامها فيما يتنافى مع طبيعتها. كما ينبغى على الدولة بيان إجراءات تقنين إهداء أو مبادلة الآثار، وحظر فرض رقابة على الصحف ووسائل الإعلام المصرية أو مصادرتها أو وقفها أو إغلاقها بأى وجه من الوجوه، وحظر إنشاء أو استمرار جمعيات أو مؤسسات أهلية يكون نظامها أو نشاطها سرياً أو ذا طابع عسكرى أو شبه عسكرى. وثمة قضايا محورية فى إعادة بناء الوطن، وهى تأكيد الانتقال من السلطة الشخصية للحاكم إلى سلطة المؤسسات الدستورية فى الدولة، وضرورة فصل السلطة عن أشخاص ممارسيها، كذلك التنفيذ الصارم لمبادئ حقوق الإنسان التى جاء بها الدستور الجديد وضرورة تفعيل المبادئ الأساسية التى نص عليها الإعلان العالمى لحقوق الإنسان الصادر فى 1948، والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، وضرورة البدء ببرنامج شامل لمراجعة قاعدة التشريعات المصرية وتنقيتها من جميع التشريعات المقيدة للحريات والمعاكسة لروح الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتحرير النقابات المهنية والعمالية ومؤسسات المجتمع المدنى، وتفعيل حرية تشكيل الأحزاب السياسية. من ناحية أخرى، نرى أن يتضمن البرنامج الانتخابى، لأى من المرشحين لرئاسة الجمهورية، رؤيته لكيفية تفعيل الدستور والأنظمة والإجراءات التى يقترحها لضمان الوصول إلى نظام الحكم المعبر عن روح الدستور والمحقق لتطلعات المواطنين إلى مجتمع يسوده القانون والعدالة. كما يجب على الأحزاب والقوى السياسية ومنظمات المجتمع المدنى المبادرة بطرح أفكارها ومقترحاتها فى سبيل التفعيل الصحيح للدستور لكى تكون قوة فاعلة فى بناء المستقبل المصرى. حمى الله مصر.