تتغير العصور والأزمنة، ما بين حكم طويل الأمد وآخر قصير الأجل، يثور الشعب ثم يرقد، ثم يعود للثورة. يحكم منْ يقبعون خلف القضبان.. ومن يحكم يتوارى وراء القضبان ثانية.. يأتي حاكم جديد بأفكاره ورجاله وشيوخه ونسائه ويذهب آخر، ومعه رجاله وأفكاره، فيظهر من يحبه ومن يبغضه، الكل يحكم بما يحلو له على العصر سواء بالبلاغات أو بالنقد والهجاء وأيضًا الفتاوى. في فبراير 2011.. ذهب حكم "مبارك" بثورة شعبية قادها الشباب، وسجن هو ورجاله خلف القضبان بأمر الشعب الذي قرر محاسبتهم، وخرج الناس في الميادين يحتفلون، والخبراء والسياسيون ينقدون، علت أصوات أصحاب الفتاوى السياسية، الذين حرموا الزواج من أبناء أعضاء حزبه "المحل". القصة بدأت في أكتوبر2011، عندما خرج الشيخ عمر سطوحي، أمين عام اللجنة العليا للدعوة الإسلامية بالأزهر الشريف، بفتوى يحرم فيها الزواج من بنات أعضاء الحزب الوطني "المحل"، قال وقتها عنهم: "إنهم غير أمناء ومضيعين للأمانة وأفسدوا الحياة في مصر، التي أكلوا من ترابها وعاشوا على أرضها وشربوا من مائها واستظلوا بسمائها فمن السهل عليهم أن يضيعوا أمانة الأسرة والزوجة"، مستدلاً في فتواه على قول عثمان بن عفان رضي الله عنه، عن مواصفات الزوج الذي يريد الزواج من فتاة: "زوّجها لتقي.. فإن أحبها أكرمها وأن كرهها فلن يظلمها"، وهي الفتوى التي أثارت جدلا واسعا في وقتها. السيناريو يتكرر من جديد بكل تفاصيله، فبعد انتهاء حكم الإخوان بثورة شعبية يوم 30 يونيو، وعزل محمد مرسي في 3 يوليو، والرفض الشعبي للجماعة والتظاهرات في الشارع، تكررت الفتاوى، وأخذت نفس المنحى من التحريم والدعاء على متظاهري 30 يونيو إلى أن وصلت للفتوى التي أصدرها الشيخ مظهر شاهين، خطيب مسجد عمر مكرم، منذ أيام بوجوب تطليق الزوجة الإخوانية. وقال شاهين، في فتواه التي أصدرها في برنامج يقدمه على إحدى الفضائيات: "واحد يتزوج واحدة ويكتشف أنها خلية إرهابية نائمة في منزله، أي قنبلة موقوتة معه في غرفة النوم.. لو تعارضت مصلحتي الشخصية مع مصلحة وطني تكون مصلحة الوطن أولاً، ولو تعارضت مصلحة زوجتي مع المصلحة الوطنية يبقى بلدي الأول، هذا يسمونه فقه الأولويات، يعني أضحي بمراتي ولا أضحي بمصر؟ ننفصل ونعطيها كامل حقوقها بما يرضي الله، الكثيرون اليوم يشعرون بما أقوله، وإذا ما تبرأت تلك الزوجة الإخوانية من انتمائها لجماعة إرهابية فأهلاً بها وسهلاً في بيت زوجها، أما إذا استمرت على ما بداخلها من أفكار إرهابية متطرفة ضد الوطن وضد الدين فقد وجب طلاقها"، وهي الفتوى التي تزامنت مع فتوى الداعية الإسلامية، دكتورة سعاد صالح: "بفسخ الخطبة من الإخوانية". الدكتور محمود عاشور، وكيل الأزهر السابق، يرى أن ما صدر من فتاوى عن وجوب تطليق الإخوانية، وتحريم الزواج من الفلول، لا تعتبر فتاوى، وإنما آراء شخصية لإصحابها، وقال في حديثه ل"الوطن": "دار الإفتاء هي الجهة الوحيدة المسؤولة عن الفتوى، وأي فتوى أخرى رأي شخصي، وأن ما صدر من أحاديث بهذا الشأن غير مقبول ولا يصح، وهو قول لا يجوز أن يصدر من عالم، ومن أصدره لا علاقة له بالفتوى من قريب أو بعيد".