يجلس على أحد الأرصفة يحاول توجيه كرسيه المتحرك يمينا أو يسارا قليلا لتفادى عاصفة شديدة تضرب ظهره بقوة ولكنه لم يستطع.. يحاول أن يشد ملابسه على جسده أكثر وأكثر ولكن ماذا ستفعل ملابس مهترئة تكشف أكثر مما تغطى؟!، يتذكر عم «محمد» القطط والكلاب التى صنع لها مأوى صغيرا بجانبه لكى يحميها من البرد القارس يتحرك بشكل أسرع بكرسيه، يضع عليها غطاء من ورق الكارتون الملقى فى الشارع.. يبتسم وهو ينظر إليها فحتى لو افتقد هو للحنو والرحمة الآدمية ممن حوله فما زال فى قلبه فيض من تلك المشاعر الإنسانية. «صديق الرصيف» هو لقب عم «محمد» الرجل الستينى بحى بولاق أبوالعلا، أطلقه عليه أهالى المنطقة بعدما أصبح الرصيف بيته الوحيد، وعائلته هى مجموعة من الحيوانات يتقاسم معها طعامه ونومه: «لاقيت فى الرصيف الوفاء والإخلاص اللى افتقدتهم فى البشر، وفى الطريق بستخبى من قسوة البشر مع حيواناتى والناس بتسألنى دايما عن أهلى، أنا فاكرهم بس هما نسيونى والحيوانات دول هما أهلى». لقب آخر حظى به «محمد» هو عم «ماضى» لا يسبب له هذا الاسم ألماً، فالمأساة التى يعيشها والإهمال الذى لاقاه من بلد لا يحنو على بسطائه، جعله يدرك أنه أنسب اسم له، يضحك «محمد» وهو يتحدث فتظهر المرارة فى كلماته «كنت كبير عائلتى فى يوم من الأيام وكنت باشتغل مكوجى وليا حكايات فى التضحية معاهم، بس لما حصلى حادثة وركبت شريحة ومسامير فى رجلى، باعونى وقرروا يرمونى زى الكلاب، نسيوا صلة الدم ونسيونى، وبقيت ماضى ليهم ولغيرهم كمان». يعتبر «عم محمد» أن وجوده هو وزملائه من رفقاء الرصيف، لم يمثل عامل جذب للمسئولين فى الدولة من أجل إيجاد حل لمعاناتهم، بل إنهم تحركوا فقط ليجدوا اسما يطلقونه عليهم، وهو عكس ما فعله سكان المنطقة الذين لا يملكون شيئا من الحياة سوى قوت يومهم، ولكنهم تعاونوا على تقديم غرفة خشبية لينام فيها: «ولاد الحلال عملولى مطرح صغير، هو مايكفيش كلب، بس أحسن من مامفيش، وفى ناس بتحن عليا ببطانية تدفينى فى البرد، والجدعان هنا بيبعتولى أكل، واهى ماشية»، ويستكمل «أما المسئولين قاموا من مكانهم عشان يحطولنا اسم ينادونا بيه ويقولوا للناس همّ دول المتسولين».