الهدوء يملأ المكان، السماء وكأنها حزينة لفقدها شيئا ما وعيونى تتابع المشهد الغريب من شرفة منزلى وعقلى يسألنى سؤالا لم أجد له إجابة «أين رمضان؟» أين اختفت ملامح رمضان؟ أين الزينة والفوانيس؟ أين بائع العرقسوس والتمر هندى؟ أين ضحكات الشباب التى تملأ النواصى والدورات الرمضانية التى نتابعها؟ فقد اختفت جميع الملامح الرمضانية إلا المسلسلات فهى الحاجة الوحيدة التى تكثر فى رمضان، تنهدت حزنا وأنا أسرح بخيالى إلى ذكريات رمضان فى السنوات السابقة لعلى أقنع ما بداخلى أننا فى رمضان، تذكرت أصدقائى وكيف كان تجمعنا يوميا فى رمضان، تذكرت صديقى وقريبى «يحيى» العقل المدبر والوجه المضحك لنا جميعا، تذكرت اليوم الذى قرر فيه «يحيى» العمل بدلا من المسحراتى وجعلنا نمشى معه فى الشوارع ننادى فى الناس ليلا «السحوووور» ولكن بطرقة مضحكة إلى أن وبخنا أحدهم فجرينا إلى بيوتنا مرعوبين، تذكرت صديقى «عمر» الذى قرر يوما أن نشارك فى الدورة الرمضانية لكرة القدم لا لأننا موهبون فى الكورة ولكن لنسلى صيامنا وبدأت المباراه الأولى وبدلا من أن نسلى صيامنا تسلى علينا الفريق الآخر وهزمنا 7 أهداف مقابل هدف لحفظ ماء الوجه وكنت سعيدا جدا بهذا اليوم لأنى كنت أشاهد الأهداف عن قرب فقد كنت حارس المرمى لفريقنا الذى دخل فيه سبعة أهداف، تذكرت «عم مصطفى» البقال الذى كنا نتجمع عنده قبل الفطار وبعد الفطار مباشرة هربا من بيوتنا حتى يستطيع أصدقائى التدخين بحرية، تذكرت لهفتنا فى انتظار نزول صديقىّ «أحمد» و«على» من كلية الشرطة بعد أول 45 يوما قضوها هناك، تذكرت أحلى كوباية شاى بعد الفطار والتى كانت تعدها لنا والدة صديقى «عمارة» لتناولها أسفل شرفة منزلهم، تذكرت فرحتنا بصديقى «لطفى» بعد قبوله فى أكاديمية الشرطة، تذكرت يوم عزومة جدة خطيبتى لى على الفطار وكانت أول عزومة لى مع أقاربها وعند ذهابنا إلى جدتها قالت لى خطيبتى «مش شرط تسلم بالإيد سلم من بعيد لبعيد كدا» فاستغربت من طلبها وسألتها «ليه؟» فسكتت ولم ترد علىّ وبالفعل وصلنا وقبل ضرب جرس الباب سمعت أصواتا كثيرة جدا داخل المنزل فأقنعت نفسى أن هذا هو التلفاز ولكن زاد علو الصوت عندما قامت بنت صغيرة بفتح الباب ودخلت وإذ بى لأول مرة فى حياتى أفرح بتجمع أسرى مثل هذا فهناك أكثر من 50 شخصا مجتمعا فى هذا البيت الكبير من أول الجدة الطيبة إلى الأحفاد الصغار وتذكرت كلمة خطيبتى لا أسلم بالإيد لأنى لو سلمت على واحد واحد الفجر هيأذن وأنا لسه مفطرتش فقلت من بعيد السلام عليكم فردوا جميعا فى نفس واحد وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته فاضطربت من علو الصوت وندمت أنى لم أسلم على واحد واحد، وتذكرت وتذكرت.. ذكريات لا تنتهى وكلها خلال العشرة أعوام الماضية أما الآن فقد تزوج منا من تزوج وسافر منا من سافر وبقى القليل ولكننا لم نعد نشعر برمضان مثلما شعرنا به صغارا وأصبحت كلمة «لعب» عيب فى حياتنا بعد ما كانت حياتنا كلها «لعب» فهل نحن لا نلعب لأننا كبرنا أم نحن كبرنا لأننا لم نعد نلعب؟ وكلما أتذكر شيئا من تلك الذكريات الجميلة تزداد ابتساماتى وفجأة انتبهت إلى صوت زوجتى تنادينى المغرب أذن فأسرعت لتناول الإفطار ولكن فجأة توقفت وسألت زوجتى «هوا المدفع ضرب» فردت ضاحكة «مدفع إيه انت لسه فاكر الحاجات دى» فقلت فى نفسى «حتى المدفع مبقاش بيضرب» فردت زوجتى وسألتنى «إنت بتقول حاجة» فقلت لها آه بقولك «إدينى بق ميه أشرب».