قبل الاستفتاء على دستور الإخوان، تلقيت عدة اتصالات هاتفية من أناس بسطاء أخذوا رقم هاتفى أيام ثورة يناير فى ميدان التحرير، جميعهم يخبروننى أن أفرادا من جماعة الإخوان يجمعون بطاقات الرقم القومى من الفقراء فى بعض القرى بالصعيد والدلتا، على أن يحتفظوا بها خلال أسبوع الاستفتاء على الدستور مقابل مبلغ مالى يصل إلى مائة جنيه وبعض السلع التموينية. ثم توزع هذه البطاقات على أعضاء و«عضوات» فى الجماعة للتصويت بها غير مرة، مستغلين أن الإشراف القضائى لم يكُن كاملا، وأن كوادر الإخوان يفعلون ما يشاءون فى كثير من اللجان، بدليل أننا وجدنا فيديو شهيرا يظهر القيادى الإخوانى حلمى الجزار جالسا فى إحدى اللجان يشارك فى فرز أوراق الاستفتاء، ويتصرف وكأنه القاضى، وهى مسألة تكررت من عناصر إخوانية على مستوى الجمهورية. وفعل الإخوان الأمر نفسه فى الاستفتاء على دستور 2014، لكن هذه المرة، كان الإخوان يجمعون بطاقات الرقم القومى من الفقراء لمنع الناس من الذهاب، بعد أن اتخذوا قرارا بالمقاطعة. وهذه واحدة من حيل الإخوان فى التزوير، التى تعلموا بعضها من الحزب الوطنى المنحل وأضافوا إليها الكثير من قريحتهم التى تألفت من الخداع والتحايل والتلاعب ونقض الوعود والعهود، وكل هذا يبررونه باسم الانتصار للدين. ولأن اللصوص يعتقدون أن كل الناس لصوص، والكذابين يتصورون أن الجميع على شاكلتهم، والمزورين لا يثقون فى أحد أبدا، استبق الإخوان الاستفتاء على دستور 2014 بالحديث عن تزويره، فلما جرى، وكان الموافقون عليه ضعف من وافقوا على دستورهم، راحوا يشككون فى الرقم المعلن للحضور، الذى يصل إلى نحو 21 مليون شخص، مع أن مشاهد الطوابير أمام كثير من اللجان تكذبهم عيانا بيانا، رغم أن اللجنة العليا زودت عدد هذه اللجان ليصبح متوسط نصيب الواحدة منها نحو 1380 مصوتا بينما كان المتوسط أيام استفتاء الإخوان يصل إلى 3000 مصوت. ابتداء، لو كانت هناك نية للتزوير ما ألغى الرئيس عدلى منصور قرار سلفه محمد مرسى بعدم الطعن على الاستفتاء، وما حرصت السلطة على أن يكون الإشراف القضائى كاملا، وما رأينا الرئيس ورئيس الوزراء ووزير الدفاع، القائد العام للقوات المسلحة، يقفون قبل الاستفتاء بأيام ليخاطبوا الشعب بلغة تنطوى على التشجيع الممزوج باستعطاف واضح، وهو مشهد لم نكن نراه أبدا أيام «مبارك» وما قبله؛ حيث كانت السلطة ليست فى حاجة إلى استعطاف أحد، بل كانت تفعل ما تشاء وتعلن ما تشاء من نتائج. وأعجب كيف يشكك الإخوان فى القضاء إلى هذه الدرجة وهو من سبق أن أعلن فوزهم الكبير فى انتخابات «مجلس الشعب» 2011 و«مجلس الشورى» 2012، وأعلن فوز «مرسى» بالرئاسة، بل إنه القضاء الذى أعلن فوز الإخوان ب88 مقعدا برلمانيا عام 2005، وهتف الإخوان له مادحين ومعظمين: «إن فى مصر قضاة لا يخشون إلا الله». وأعجب كيف يتجاهل الإخوان تقارير منظمات دولية ومحلية راقبت الاستفتاء وتحدثت عن السلاسة والسلامة اللتين اتسم بهما، وجعلته يعبر بصدق وأمانة عن الإرادة الشعبية. وكيف ينكر الإخوان أن الاستفتاء كان منقولا على الهواء مباشرة، ولم يلحظ أحد حشدا جماعيا، ولا استخدام «المال السياسى»، بل إن الحكومة لم تمنح الموظفين إجازة يومى الاستفتاء، ولم نجد باصات خارجة من المؤسسات الحكومية ولا المصانع والشركات الخاصة، مثلما كان يجرى قبل ثورة يناير. إن ما رأيته وعشته بنفسى وسمعته من زملاء وأصدقاء عن تجربتهم يوم الاستفتاء يبين أن الأمر جرى بانضباط وإحكام كبيرين، وأن النتيجة المعلنة هى تعبير صادق وأمين عن إرادة الناس.