عانت مصر فى الأعوام السابقة من فجوة بين إيرادات ونفقات الحكومة، مما أدى إلى عجز الموازنة. وبعد ثورة 25 يناير 2011، شهدت مصر تدهوراً اقتصادياً -كان متوقعاً- مما أدى إلى ازدياد نفقات الحكومة وبالتالى عجز الموازنة التى وصلت إلى 140 مليار دولار فى العام المالى 2011/2012. وفى ظل زيادة العجز، لجأت الحكومة فى المقام الأول إلى الاقتراض الداخلى لسهولة الاقتراض من المؤسسات المالية. ومع صعوبة الاقتراض الخارجى من المؤسسات المالية الخاصة بسبب تدهور التصنيف الائتمانى لمصر وكذلك بسبب رفض الحكومة المصرية لإنهاء إجراءات قرض صندوق النقد الدولى لأسباب سياسية، فلذلك تركز الاقتراض على الداخل. فبالنظر إلى حجم الدين العام، نجد أنه وصل إلى ما يقارب 1.33 تريليون جنيه فى نهاية ديسمبر 2011، منها 1.13 تريليون جنيه ديونا محلية، بينما 200 مليون جنيه ديون خارجية. أى أن الديون الداخلية تمثل ما يقارب 85% من إجمالى الدين العام. إن تفاقم الدين الداخلى وعدم الاقتراض من الخارج (خاصة صندوق النقد الدولى) يسوق الكثير من السياسيين إلى أن يفتخروا بانحصار الدين الخارجى، ويشعروا أن الدين الداخلى سيتم السيطرة عليه عاجلاً أم آجلاً، ولكن هل هذا التفكير سليم اقتصادياً؟ وهل يدرك السياسيون الآثار السلبية لتفاقم الدين الداخلى؟ إن التفاقم فى حجم الدين الداخلى ازداد بشكل كبير فى الأشهر القليلة الماضية، ومن المتوقع أن يظل فى ازدياد مستمر مع زيادة عجز الموازنة. ولكن المقلق حقاً هو ارتفاع سعر الفائدة على الدين الداخلى والذى ارتفع من 9-12% (حسب مدة السند الحكومى) من قبل الثورة إلى 14-17% فى مطلع عام 2012، وهى زيادة غير مسبوقة، مدفوعة بتدهور التصنيف الائتمانى لسندات الحكومة المصرية. على الرغم من أن نسبة الدين العام إلى الناتج المحلى وصلت إلى 100% على الأسعار الجارية، أى ما يقارب 130% على الأسعار الثابتة، وهى نسبة عالية تقارب نسبة الديون فى دول تمر بأزمات عاصفة كاليونان، فإن المشكلة الحقيقية تكمن فى تركيبة هذا الدين العام، ففى مصر 85% من الدين العام ممول داخلياً فإذا عجزت الحكومة عن السداد فإن البنوك المحلية والمودعين سيتأثرون تأثراً شديداً، بينما فى اليونان معظم الدين العام ممول خارجياً وبالتالى فى حالة عدم السداد، فإن المواطنين والبنوك المحلية سيتأثرون بشكل أقل بكثير من حالة مصر. وهذا يقودنا إلى مشكلة كبيرة هى ارتفاع سعر الفائدة على الدين المحلى والتى ازدادت بشكل ملحوظ. ففى الأشهر الستة الأخيرة من عام 2011، أصدرت الحكومة 320 مليارا سندات حكومية بسعر فائدة أعلى من 2010 ب5%، وقد أدى ذلك إلى ازدياد تكلفة خدمة الدين بما يعادل 16 مليار جنيه، أى 3.2 مليار جنيه لكل 1% زيادة فى سعر الفائدة. وبجانب زيادة حجم خدمة الدين، فإن ارتفاع سعر الفائدة دفع البنوك التجارية لرفع سعر الفائدة على الودائع التى وصلت فى بعض البنوك إلى 11-12% وتستخدم البنوك هذه الودائع للاكتتاب على السندات الحكومية بعائد 16-17%، أى تحقيق ما يعادل 5% ربحا دون مخاطرة، مما دفع الكثير من المواطنين لزيادة ودائعهم على حساب الاستثمار فى البورصة. كما دفعت هذه الظاهرة البنوك إلى استثمار جزء كبير من الإيداعات فى سندات الخزانة على حساب تمويل الشركات والأفراد، مما أدى إلى خلق أزمة فى السيولة داخل السوق خلال العام الماضى. ولذلك فبرغم الجوانب السياسية للاقتراض الخارجى، فيجب ألا نفرح بعدم الاقتراض الخارجى. فمما لا شك فيه أن الاقتراض الداخلى له نتائج سلبية كبيرة مقارنة بالاقتراض الخارجى. مدير القسم الاقتصادى بمؤسسة «بيت الحكمة»