أشعل القضاء التونسى الخلاف بين الحكومة بقيادة حركة النهضة الإسلامية ومشيخة جامع الزيتونة، بعد أن صدر حكماً باستقلالية الجامع عن الدولة، فالحكومة ما زالت تصر على أنها وحدها صاحبة الحق فى إدارة شئونه، مما يمهد للجوء للمحكمة الإدارية لحسم الخلاف. وأقرت محكمة تونس الابتدائية أمس الأول باستقلالية الجامع الذى يعتبر من أشهر الجوامع فى العالم الإسلامى، عن الحكومة، مقرة أن حسين العبيدى ذا التوجه السلفى هو «شيخ الجامع» الذى أصدر فتوى بهدر دم فنانين تونسيين والتصرف فى شئونه وتنظيمه يعود إلى مشيخة الجامع. ويحظى جامع الزيتونة، الذى يطلق عليه التونسيون اسم «الجامع الأعظم»، برمزية خاصة، إذ تأسست داخله أول جامعة علمية فى العالم الإسلامى. وكانت وزارة الشئون الدينية قد عينت فى يوليو الماضى الدكتور محمد بوزغيبة أستاذ الفقه الإسلامى وعلومه فى جامعة الزيتونة التابعة لوزارة التعليم العالى، إمام جمعة فى الزيتونة، مؤكدة أنها وحدها المنوطة بإدارة شئون الجامع. لكن مشيخة الجامع الأعظم لم تسمح له باعتلاء المنبر وطردته فى أكثر من مناسبة كان آخرها أمس الأول، مما أجج الخلاف بين الحكومة والمشيخة. إلا أن جانباً آخر من الخلاف تقف خلفه مطالبة المشيخة باسترداد «الأوقاف» التابعة للجامع والتى انتزعتها السلطات فى عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة. وفى تصريحات ل«الوطن»، قال عضو مجلس شورى حركة النهضة زبير الشهودى «المفترض أن إدارة المسجد شأن خاص بالدولة بموجب القانون الحالى لحين وضع قانون جديد يحكم العلاقة بين الدولة والمساجد فى تونس». وأضاف الشهودى «سنلجأ للمحكمة الإدارية، أعلى مستوى قضائى، وسيكون قرارها ملزماً للطرفين». ونفى الشهودى أن تكون مطالبة المشيخة باسترداد الأوقاف وراء الخلاف مع الحكومة، قائلاً «استرداد الأوقاف أمر لا بد منه ولكنه يحتاج لسن قوانين ستأخذ وقتاً». وأكد الشهودى «أن قانوناً سيصدر فى المستقبل القريب يحدد الكيفية التى ستكون عليها إدارة المساجد فى تونس» مرجحاً تحجيم دور الدولة فى ذلك. ويرى القيادى اليسارى عادل الشاوش فى تصريحات ل«الوطن» أن «تدخل الدولة ضرورى لكبح جماح السلفيين وإنهاء سيطرتهم على المساجد، وكذلك إعادة الاتزان للخطاب الدينى فى تونس بعدما شهد تطرفاً كبيراً بعد الثورة وموجات تكفير لشخصيات سياسية ومبدعين غير مسبوقة.